استشهاد سعد بن معاذ

لما بلغ رسول الله خبر ابا لبابة قال: (أما لو جاءني لاستغفرت له، وأما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه)، وانزل الله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، كلما مر من جانبه لا ينظر إليه ولا يكلمه وبقي أيام على هذه الحال تحت الشمس الحارقة وكانت زوجته أو بنته تحُله إذا أراد الصلاة أو قضاء الحاجة فإذا فرغ أعادته إلى الرباط ومكث على هذه الحالة سبعة أيام لايذوق طعاما ولاشرابا حتى خر مغشيا عليه ثم نزلت توبته في القرآن العظيم في سورة التوبة بقوله تعالى {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، فلما نزلت الاية اسرع الصحابة ليخبروه بالبشرى فقال ابو لبابة: والله لا أَحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله هو الذي يحُلُّني، فجاءه الرسول فحله بيده.

ورغم مرارة ما ذاقه النبي من اليهود، لم يزل صاحب الخلق العظيم، فلما قسمت النساء من السبايا قال لأصحابه: (لاتفرقوا بين الأم وأولادها) ولم يقتل النبي إلا المقاتلين فقط، ولم يقتل الذين لم يشتركوا في القتال وتعامل بالرحمة مع السبايا،

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ان يضرب لسعد بن معاذ خيمة في المسجد النبوي، واستراح سعد تلك الليلة ورفع طرفه الى السماء يناجي ربه، اللهم اني سألتك ثلاثاً، فأعطيتني اثنتين، وبقي لي عندك واحدة، اللهم أفجرها وأجعلها طريقي للجنة اي الجرح فأنفجرت جرحه وسالت منه الدماء حتى خرجت من خارج الخيمة واقترب الأجل،

يقول الصحابة: فما راعنا إلا والنبي صلى الله عليه وسلم يخرج من إحدى حجراته مسرعاً يجر ردائه خلفه وهو يقول لاصحابه: (قوموا فأشهدوا موت رجل يهتز له عرش الرحمن قوموا، فقد سبقتكم الملائكة إليه)، فدخل على خيمة سعد، فقيل لسعد : ها هو رسول الله قد حضر يا سعد ففتح عينيه ونظر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله لقد سألت الله الآن، ان لا يقبض روحي حتى يكون آخر ما يقع عليه بصري من هذه الدنيا هو وجهك يارسول الله فإني أشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله وفاضت روحه رضي الله عنه وارضاه وجزاه الله عنا كل خير، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ان يحمل الى البقيع ويدفن فيها وعندما حملوا جنازته، كانت خفيفة فتعجبوا لذلك قالوا: يا رسول الله والله ما رأينا جنازة خفيفة كجنازة سعد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تركت لكم الملائكة ما تحملونه من النعش لقد انزل الله سبعين الف من الملائكة لم ينزلوا الى الارض قبل اليوم ليشيعوا سعد بن معاذ)، هذا هو سعد الذي اهتز عرش الرحمن فرحاً بقدومه رضي الله عنه، مات وعمره ستة وثلاثين عاما ولم يتجاوز عمره في الاسلام ستة سنوات إلا أن أنجازاته في الاسلام يعجز أن يفعله الكثيرون في أعمار طويلة،

هذا الذي أثلج صدر النبي صلى الله عليه وسلم في مواقفه.

🌾
🍎
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *