جاء المسلمون معتمرين ومنعوا وما زالوا محرمين،
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما على وجوه الصحابة من كدر وقهر وكآبة، وثقل من هذا الصلح على نفوسهم قال:(قوموا الى هديكم فأنحروا، واحلقوا رؤوسكم، يرحمكم الله)،
فما قام أحد ونحر، فنظر النبي اليهم وأمر للمرة الثانية فوالله ما قام أحد، وفي الثالثة قال: (ألا تسمعون؟ قوموا الى هديكم فأنحروا واحلقوا رؤوسكم)، وما قام أحد، لانهم كانوا مذهولين،
فتركهم ودخل خيمة السيدة ام المؤمنين ام سلمة رضي الله عنها، مغضباً وهو يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله) فقالت: بأبي وأمي أنت ما الأمر؟ قال: (هلك المسلمون) قالت: وما اهلكهم؟ قال: (أمرتهم فلم يأتمروا، أخاطبهم وهم ينظرون الى وجهي ويسمعون كلامي فلا يقوم منهم احد)، فقالت: بأبي وأمي انت يا رسول الله، إنك تعلم كم حمَّلت أصحابك في هذا الصلح فوق ما يطيقون، او كانوا يريدون فكأنما اصابهم الذهول فلم يسمعوا قولك، إن شئت أن لا يتأخر عنك أحد ولا يخالفك، فأخرج انت فأنحر هديك، واحلق راسك، دون أن تكلمهم فوالذي بعثك بالحق لن يتخلف عنك واحد،
فجلس حتى زال الغضب من وجهه فاضطبع بردائه ثم خرج متوجها صامتاً لم يكلم أحدا، الى هديه لينحره، ثم قال بأعلى صوته والصحابة يسمعون: (بسم الله، الله اكبر)، فلما رأوه، وثبوا من مكانهم مسرعين وهم يقولون: الله اكبر، رسول الله ينحر ونحن جلوس؟ ودعا حالقه فحلق له، وحلق الصحابة وانتهت هذه الأزمة الكبيرة والمؤقتة بفضل الله عزوجل ثم بحكمة أمنا أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح حكما لمن احصر، حله مكان احصاره.