استجواب ابو سفيان

قال هرقل لترجمانه اسأله كيف نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب، هل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قال: لا، هل كان من آبائه من ملك؟قال: لا، هل أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قال: بل ضعفاؤهم، أيزيدون أم ينقصون؟ قال: بل يزيدون، فهل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا، فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، فهل يغدر؟ قال: نحن معه في مدة لا ندري ماهو فاعل فيها، فهل قاتلتموه؟ قال: نعم، فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه، ماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا ويقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة، وأراد ابو سفيان ان يطعن في صدق النبي فقال: أخبرك عنه أيها الملك خبراً تعرف به أنه قد كذب، قال: وما هو؟ إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح، فوقف احد البطاركة المسؤولون عن المسجد الاقصى وكان بجانب هرقل، قال: صدق أيها الملك، فنظر إليه هرقل فقال: ما أعلمك بهذا؟ قال: إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا إليه فقالوا: لا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فلما أصبحت جئت إليه فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب، وإذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابي: ما حبس هذا الباب الليلة إلا لهذا الأمر فقال هرقل لقومه: يا قوم ألستم تعلمون أن بين يدي الساعة نبيا بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم؟ قالوا: بلى، قال: فإن الله قد جعله في غيركم ثم نظر هرقل لابي سفيان، ولحاشيته من الوزراء والأمراء والعلماء ورجال الدين وبدأ يذكر سبب هذه الأسئلة بالتحديد، وما هي استنتاجاته فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في أشرف نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فقلت لا، فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بمن قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فقلت لا، فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فقلت لا، فلم يكن ليصدق مع الناس ويكذب على الله، وسألتك هل أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فقلت أن ضعفائهم، فالضعفاء هم اتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الايمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطةً لدينه بعد أن يدخل، فقلت لا، وكذلك حلاوة الايمان لا تدخل قلباً فتخرج منه، وسألتك هل يغدر فقلت لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بما يأمركم؟ فذكرت إنه يأمركم ان تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة، إعلم يا هذا إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه، ثم طوى الرسالة وقبَّلها ووضعها على رأسه، ثم أمر أن تحفظ في الديباج. قال أبو سفيان: فلما قال هرقل ما قال كثر عنده الصخب فأمر أن نخرج، فنظرت الى اصحابي وقلت: لقد بلغ من أمر ابن ابي كبشة أن يخافه ملك بني الأصفر.

🌾
🌹
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *