بعد عمرة القضاء كان هناك عدة سرايا بعضها كان فيها قتال، وفي جمادى الآخرة من السنة الثامنة من الهجرة كانت معركة مؤتة وهي أول مواجهة للمسلمين مع الإمبراطورية الرومانية، وسببها أن النبي أرسل الحارث بن عمير برسالة الى أمير بصرى، يدعوه فيها إلى الإسلام، فاعترض طريقه ملك الغساسنة، وهي مملكة تدين بالنصرانية، وموالية للإمبراطورية الرومانية، وقد سقطت وانتهت في الفتح الإسلامي للشام، فقبض على حامل الرسالة، وقال: أين تريد؟، قال: الشام، قال: لعلك أحد رسل محمد؟ قال: نعم فأمر به فأوثق وقتل صلباً، وبدأت الدولة الرومانية والقبائل العربية الموالية لها في شمال الجزيرة، في تعقب وقتل كل من يسلم، حتى قتل والي معان بالأردن لأعلان إسلامه، وكان قد أسلم دون أن يرسل اليه النبي، والحروب في الإسلام تكون بهدف الدفاع عن النفس ضد أي اعتداء، ولتأمين حركة الدعوة الإسلامية، ومنح الناس حقهم في الاعتقاد، وحقهم في اختيار الدين الذي يريدونه ومما جعل النبي يسارع بارسال هذا الجيش لمواجهة الإمبراطورية الرومانية والقبائل الموالية لها في شمال الجزيرة، ليكسر حاجز الخوف من مواجهة الإمبراطورية الرومانية في الغرب أو الفارسية في الشرق، أو أي دولة مهما بلغت قوتها، فقام باعداد جيش قوي قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وجعل على رأسه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكان النبي قد أعده اعداداً خاصاً، حيث قاد سبع سرايا وأكثر قائد أرسله النبي في سرايا، قالت امنا عائشة رضي الله عنها: ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة في جيش قط الا أمره عليهم، ولو بقي حياً بعد الرسول لأستخلفه وكان زيد رجلا قصيرا أسمرا أفطس الأنف، وعمره ثلاث واربعين عاما، وعقد لهم لواءا ابيضا مكتوب عليه لا اله إلا الله محمد رسول الله، وأعطاه لزيد، وقد عيَّن ثلاثة أميراء لتوقعه حرباً ضروساً في هذه المعركة، ثم قال النبي: (إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس، فإن أصيب ابن رواحة فليرتضِ المسلمون برجل منهم فليجعلوه عليهم)، وأوصاهم أن يأتوا مكان مقتل الحارث بن عمير رضي الله عنه، ويدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم،
وكان من ضمن الجيش خالد بن الوليد، إذن بشر الامراء بالشهادة، ولم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة حتى لا يشق على أمته، ويتعود على الاعتماد على أنفسهم، ولتربية وأعداد صف من القادة ينهضون بالرسالة بعده صلى الله عليه وسلم.