توسلات قريش البائسة

كان نقض قريش صلح الحديبية اعتداء وتهورا وتصرفا أحمقا غير مبرر، وأخذت قريش تبحث عن حل للمشكلة فقالوا: ما فعلناه إن بلغ محمداً، فهو نقض للصلح فما العمل؟ قريش خائفة لان القوة الآن في صالح المسلمين، وتضاعفت أعداد المسلمين، لذلك اجتمعت وقررت أن ترسل ابي سفيان، فقالوا له: اخرج إلى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة، ومنها تذهب لزيارت ابنتك، رمله زوج محمد، ومن خلالها تصل لمحمد، وأطلب إليه أن يشد بالعهد ويزيد في المدة، فخرج وحده، وهذه هي أول مرة في تاريخ قريش تقدم فيه مثل هذا التنازل، ولكنها رأت أنه خير لها ألف مرة، فيما لو قام المسلمون بغزو مكة، وهذا يدل على مدى الرعب والرهبة الذي كانت فيه قريش، وصل أبو سفيان الى المدينة، واتجه الى ابنته أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، طرق باب حجرتها، فلما فتحت نظرت الى أبيها وكان هذا اللقاء بعد غياب ستة عشر سنة، فكان أبو سفيان يعتقد منها استقبالاً حافلاً ولكنها نظرت إليه كعدو لرسول الله، فسكتت ولم تتكلم وحارت بأمرها فأراد ابوها أن يفك هذه الحيرة، فدخل من دون أن تقول له ادخل ولما ان أراد أن يجلس على الفراش الوحيد في الغرفة، وهو فراش النبي، اذا بها تسرع وتطوي الفراش حتى لا يجلس عليه، فتعجب وكانت صدمة له، فأراد ان يخرج من هذا الحرج وقال لها بلطف: يا بنية، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ فقالت في صلابة وجفاء واضح: هو فراش رسول الله، وأنت مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه وقال: يا بنية، والله لقد أصابك بعدي شرٌّ كبير قالت: بل أصابني الخير الكثير، وهداني الله تعالى للإسلام، وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر، واعجب منك يا أبتِ وأنت سيد قريش وكبيرها، قال: أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد؟ فتركها وخرج واتجه الى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم وجلس وقال: يا محمد حين انعقد الصلح مع قريش لم أكن شاهده، وقد تبدلت الايام وتغيرت، وأمر قريش بين يدي فأحببت ان أتيك واشد بالعهد وازيد بالمدة، فقال له النبي: (هل كان هناك حدث؟) قال: لا معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا لانغير ولا نبدل، قال: (إذن هو ذاك العهد على ما هو عليه) ثم أعرض بوجهه عنه صلى الله عليه وسلم فخرج أبو سفيان واتجه الى أبو بكر وقال: يا با بكر كلم لنا صاحبك يجدد العقد ويزيد في المدة فقال له: جواري في جوار رسول الله، فخرج وتوجه الى عمر بن الخطاب وطلب منه كما طلب من أبي بكر ولكن عمر رد عليه: أنا أشفع لكم عند رسول الله، فوالله الذي لا إله الاهو، لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به. فخرج أبو سفيان واتجه الى علي ودخل عليه في بيته، فقال أبو سفيان: يا علي، إنك أَمَسُّ القوم بي رحماً، وأقربهم مني قرابة، وقد جئت في حاجة، فاشفع لي الى محمد فقال على بن ابي طالب: ويحك يا أبا سفيان! والله إذا عزم رسول الله على أمرٍ ما نستطيع أن نكلمه فيه فقال: أليس عندكم من قِرا، فأحضرت له السيدة فاطمة الضيافة وكان الحسن طفلا صغيرا، يلعب في البيت فأراد أبو سفيان أن يتلطف اليها لعلها تشفع له، فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تأمري بُنيك هذا فيُجير بين الناس، ارفعي ولدك هذا، وقولي قد أجار الحسن بن علي، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ ولكنها تجاهلة مزاحه وقالت في وقارها: والله ما بلغ بُني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسقط في يد أبو سفيان وقال: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ والأبواب كلها قد سدت فانصحني فقال له: والله يا أبا حنظلة لا أعلم شيئا يغني عنك، ولكنك انت سيد بني كنانة، فقم فأَجِر بين الناس، ثم الحق بأرضك. فقال: أوترى ذلك مُغنياً عني شيئاً؟ قال: لا والله ما أظن، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام ودخل المسجد وقال: يا أيها الناس، إني قد أَجرت بين الناس فلم يعبره أحد وركب بعيره راجعا إلى مكة، ومر في طريقه على سلمان وصهيب وبلال فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فسمعهم أبو بكر فنهرهم قائلا: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فذهب أبو بكر وأخبر النبي فقال: (يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك) وفورا ذهب اليهم وقال لهم: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أُخيَّ، فوصفوا بقوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.

🌾
🍈
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *