قال النبي للعباس: (يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها، ولا تلعب به نفسه)، فالرسول صلى الله عليه وسلم هدفه هو أن يدخل مكة بلا قتال ومن غير سفك للدماء، ويعتمد في ذلك على اخافة قريش حتى تستسلم وتجبن عن القتال، فذهب به ومر الجيش كله أمام أبو سفيان، وكانت كل قبيلة تمر تحمل رايتها، يسأل عنها: يا عباس من هذه؟ يرد عليه: غفار، يقول: ما لي وغفار، يا عباس من هؤلاء؟ سليم، ما لي وسليم، يا عباس من هؤلاء؟ مزينة يا أبا الفضل ما لي ولمزينة، قد جاءتني تقعقع من شواهقها يا عباس من هؤلاء؟ جهينة، ما لي ولجهينة، يا عباس من هؤلاء؟ بنو ليث بن بكر، وبنو ضمرة بن بكر نعم أهل شؤم والله، هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم، أما والله ما شوورت فيهم ولا علمته، ولكنه أمر حُتِم، يا عباس من هؤلاء؟ أشجع، هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد، حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال ابو سفيان مدهوش: يا عباس من هؤلاء؟ قال العباس: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً، قال العباس: يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: نعم، ثم قال له العباس: الحق الآن بقومك وحذرهم، فانطلق الى مكة، وهي من الرعب في نهاية، وصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: قبحك الله، وما تغني عنا دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فقامت اليه زوجته هند ونادت: يا معشر قريش اقتلوا هذا الشيخ الأحمق، هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم؟ قال أبو سفيان: لا تغرنّكم هذه من أنفسكم، فقد جاءكم ما لا قِبَل لكم به، تفرق القرشيون ولزم كثير منهم دورهم ولجأ البعض إلى المسجد، وبذلك نجحت خطة النبي صلى الله عليه وسلم في تحطيم مقاومة قريش، ومع ذلك رفض بعض شبابها الإستسلام وقرروا المقاومة، وفي نفس الوقت استعد الجيش لدخول مكة.