وادي حنين

كان وصول هوازن الى سهل أوطاس في صالحهم، فنظم مالك جيشه تنظيما جيدا، فرتبه في صفوف متوازية الخيل في المقدمة ثم الرَّجَّالة خلفهم ثم وضع النساء فوق الإبل خلف الرجال، ثم جعلوا الإبل صفوفا والبقر والغنم خلف الجيش كي لا يهرب الجيش، ووضع الكمائن في قمم الجبال والشعاب والمضايق والمنعطفات والأشجار التي على جانبي وادي حنين، الذي سيمر منه المسلمون ليصلوا الى سهل أوطاس، وأخذ يخطب فيهم ويحمسهم ويقول: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى من لا علم لهم بالحرب فيُنصر عليهم، فإذا أنتم رأيتم القوم فاكسروا جُفون سيوفكم وشُدوا شَّدةَ رجل واحد عليهم، وعندما وصل الى النبي صلى الله عليه وسلم أن هوازن قد خرجوا بنسائهم وأبنائهم وأموالهم، قال: (تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله) وخرج لقتالهم في شوال من السنة الثامنة، بعد فتح مكة بـتسعة عشر يوما، فخرج بعشرة آلاف مقاتل وخرج معهم ألفين من أهل مكة ممن اسلموا ومنهم ثمانين رجل من المشركين منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو خرجوا حمية لبلدهم مكة، وهو أكبر عدد في تاريخ المسلمين، ولم يكتف النبي بسلاح الجيش الذي فتح به مكة، بل قال لصفوان: (بلغنا ان عندك سلاح)، فقال صفوان: نعم، قال النبي: (اعرنا من سلاحك)، فقال صفوان: أغصب يا محمد، فقال النبي: (لا بل عارية مضمونة يردها محمد رسول الله)، فاستعار منه مئة درع، ومن نوفل بن الحارث ألف رمح وعين صلى الله عليه وسلم، حراسة مشددة حول مكة، لانه لم يتهاون بهوازن، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش فلما مروا بشجر سدرة، وكان المشركون يعظمونها ويعلقون عليها أسلحتهم، فقال من أسلم حديثا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، فقال صلى الله عليه وسلم: (الله اكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى عليه السلام اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون)، ثم قال النبي لمن حوله: (لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، ولم يحسب جيش المسلمين حسابا لهوازن، لأن عددهم كبير، وقد انتصر المسلمون بأقل من هذه الأعداد، وبدأوا يتحدثون عن كثرة أعدادهم، وأن النصر محقق، وقال أكثر من واحد: لن نهزم اليوم من قلة، وسمعها النبي فحزن حزنا شديدا وظهر على وجهه صلى الله عليه وسلم، قد اعتمدوا على الأسباب وليس على رب الأسباب، وتوكلوا على أنفسهم وليس على الله، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}.

🌾
🪷
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *