معركة حنين

كان وصول المسلمين الى وادي حنين مع الفجر، في غبش الصباح وعندما أصبح أكثر الجيش داخل الوادي، أعطى مالك بن عوف اشارة البدء، فبدئت هوازن باطلاق السهام بالآف، والمسلمون لا يعرفون مصادر السهام لظلمة المكان واختفاء العدو، فاضطربت صفوف المسلمين، وماج بعضهم في بعض، وبدأ المسلمون في التراجع والفرار، قال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}، ولم يثبت حول النبي صلى الله عليه وسلم سوى ابو بكر وعمر وعلي والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأسامة بن زيد وعبد الله بن مسعود وأيمن ابن أم أيمن،

فاندفع النبي وحده بدابته التي اهداه اياه المقوقس، في اتجاه المشركين، قال العباس اخذ النبي يدفع دابته للأمام وهو يقول بأعلى صوته: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، هلموا إلي أيها الناس أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله) فأخذ العباس يشد لجام بغلته ليمنع النبي من الإنطلاق وسط هذه الأمواج من هوازن، ويقول: فداك نفسي لا تعرف بنفسك فأنت بغية القوم، فقام صلى الله عليه وسلم ووقف على دابته، ووضع قدميه في ركابها حتى اصبح قائما لا جالسا وهو ينادي بأعلى صوته: (انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب) وكان هذا الموقف هو أعظم مشاهد القتال في التاريخ كله، وأراد النبي في هذه اللحظات الحرجة أن يستخلص المسلمون الصادقون، فصاح النبي بعمه، وكان جهير الصوت، قال: (يا عباس اصرخ يا أصحاب السمرة يوم الحديبية)، فهؤلاء الذين بايعوا النبي على الموت في صلح الحديبية والذين فتح بهم خيبر وهم خير أهل الأرض في ذلك الوقت، فصاح: يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا أصحاب سورة البقرة، رسول الله يدعوكم، وسمع المسلمون صوت العباس فأخذوا يجيبونه، يالبيك يالبيك وارتفعت أصوات الصحابة من كل مكان في أرض المعركة يالبيك يالبيك، فقال العباس: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. وكان الرجل منهم يحاول أن يصل الى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع أن يصل اليه بسبب الزحام الشديد والفوضى في أرض المعركة، فكان ينزل من على فرسه، ويتجه الى الصوت، حتى يصل الى النبي، وتجمع حول النبي عدة اهل بدر ثلاث مئة وثلاثة عشر من المهاجرين والأنصار، وهذا الرقم الذي لا يغلب وكان الصبح قد طلع ورأى الناس بعضهم بعض، وبدأ النبي القتال مرة أخرى بهؤلاء المجموعة من الصحابة الكرام، فاستقبلوا العدو وحملوا عليهم، ثم بدء بقية المسلمون يتجمعون حول النبي، وعادوا ينظمون صفوفهم وقال النبي: (الآن حمي الوطيس)، ووقع قتال من أشرس أنواع القتال، وأخذ بيده الشريفة حفنة من الرمال، وألقاها في وجه هوازن وهو يقول: (شاهت الوجوه، انهزموا ورب محمد، اللهم نصرك الذي وعدت)، قال العباس: فما رأيت أحداً من هوازن إلا يفرك عينيه، ونزلت الملائكة لتثبيت قلوب المسلمين، ورأى المسلمون هذه الملائكة في صورة نمل أسود كثير يغطي أجساد المشركين، بينما رأى المشركون هذه الملائكة في هيئة رجال بيض يرتدون عمائم حمراء أرخوها بين أكتافهم، ويمتطون خيل بلق، فلما رأى المشركون هذه الكتائب أصابهم الرعب، وكان ممن حضر شيبة الحجبي ادعى الاسلام، فرأى هذه الملائكة، فقال: يا رسول الله اني لأرى خيلا بلقا، فقال له النبي: (يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر)، ثم وضع النبي يده على صدر شيبة، وقال: (اللهم اهدِ شيبة)، قال شيبة: فوالذي بعثه بالحق ما رفع يده عن صدري حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه، قال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}، وبدأت هوازن في الفرار تاركين خلفهم نسائهم وأبنائهم وأموالهم، وتحولت سريعا هزيمة المسلمين الى نصر ساحق، وكان فرار هوازن في ثلاثة اتجاهات، جزء الى أوطاس وهو السهل الذي الى جانب وادي حنين وجزء الى بلدة نخلة، والجزء الأكبر اتجه الى مدينة الطائف ومعهم قائدهم مالك، فاندفع المسلمون خلفهم يطاردونهم حتى يمنعوهم من التجمع مرة أخرى، الى أوطاس والبعض الى نخلة بينما توجه الجيش الرئيسي بقيادة النبي الى الطائف.

🌾
🍏
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *