سفانة بن حاتم الطائي

في شهر ربيع الآخر من السنة التاسعة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم، علي ومعه الف وخمسمائة من الأنصار، الى قبيلة طيء، لهدم صنم طيء الفِلس، وكان سيدهم عدي بن حاتم الطائي وقد تنصر، فشن عليهم المسملون الغارة مع الفجر، وهدموا صنمهم واصطحبوا معهم أنعام كثيرة وسبي، وفر قائدهم عدي الى الشام وأخذ زوجته وولده تاركاً اخته سفانة من ضمن السبايا، ومن عادة النبي أن يفصل بين الاسرى الرجال في جهة، والنساء والصغار مع امهاتهم، خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليؤدي إحدى الصلوات، فلما رأته سفانة وقفت واعترضت طريقه وناشدته بصوت مرتفع: يا محمد هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليَّ منَّ الله عليك، قال: (ومن وافدك؟) قالت: عدي بن حاتم، قال: (الفار من الله ورسوله؟)، ثم مضى، فحين انتهى ورجع قامت وأعترضت طريقه مرة ثانية، فقالت: يا محمد هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليَّ من الله عليك، يا محمد إن رايت أن تخلي عني، ولا تشمت بي قومي فإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي، فرق قلب النبي صلى الله عليه وسلم لحالها وقال: (قد فعلت، يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق، وإن الله يحب مكارم الأخلاق)، فقام أبو بردة بن دينار فقال: يا رسول الله، الله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يُدخِل الجنة إلا حسن الخلق)، ثم نظر الى سفانة والى اصحابه وقال: (ارحموا عزيز قوم ذلّ، وغنياً افتقر، وعالماً ضاع بين جهال)، قال علي بن ابي طالب لسفانة: سليه الحملان فسألته فأعطاها ما تركبه، وقال لها النبي: (فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة، حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنيني)، وأقامت حتى قدم ركب من قضاعة، فجاءت الى النبي وقالت: يا رسول الله إن القوم من قضاعة، وهم فرع من قومي أجد فيهم من أثق به ابلغ معهم مأمني، إن شئت فأذن لي بالرحيل، فجهزها واكرمها واوصى بها خيرا، ووقف صلى الله عليه وسلم يودعها مع الركب، فرفعت يديها للسماء وقالت: شكرتك يدٌ افتقرت بعد غنى، ولا ملكتك يدٌ استغنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا جعل لك الى لئيم حاجة ولا سلب نعمة كريم إلا وجعل لك سبباً لردها عليه، فأشرق وجه النبي صلى الله عليه وسلم معجباً ببلاغتها وحسن كلماتها فرد عليها بالدعاء قائلا: (اللهم اهدي قومها وأتينا بهم طائعين)، ولمس من ذلك انها آمنت ولكنها كتمت إيمانها لسببين عزة في نفسها أن تعلن اسلامها وهي اسيرة فيقال أسلمت مجبرة، وحتى ترى موقف اخيها عدي، وتوجهت الى أخيها عدي بالشام.

🌾
☘️
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *