إسلام عدي بن حاتم

لما غارت عليه خيل المسلمين، كان قد جهز نفسه للهرب قبل وصول المسلمون، فقال لغلامه مادحا: يا فلان لا أبا لك، اختر لي من الأبل نياق سمان سراع أعتمد عليها، وتكون في مقربة مني فإن سمعت بخيل محمدٍ قدمت واخبرني، فلما أقتربت من ديار طيء اخبره الغلام، قال عدي: فركبت على النياق وحملت زوجتي وولدي وأصابتني ساعة ذهول فتركت اختي سفانة ثم انطلقت وقلت: ليس لي إلا أرض الشام فإنها تدين بالنصرانية وانا واحد منهم، فكانوا اذا تنصر عربي جعلوا له عندهم مكانة، فلما أتيت الشام وعلموا بأمري جعلوا لي ارضاً وحائطاً وضربوا لي قبة وزينوها واقام من معي ومن اعرف من حولي. فلما وصلت اخته سفانة الى الشام سألت أين أجد بن حاتم؟ قالوا: عند تلك القبة فذهبت إليه، فلما رأها من بعيد وعرفها، هرول إليها مسرعاً يستقبلها وهو يقول: مرحبا مرحبا ببنت حاتم الطائي، فقالت: أعزب عني أيها القاطع الظالم قال: فألتزمت الصمت حتى دنت ودخلت وجلست بالخيمة وذهب عنها الغضب فقال: اعذريني يا اختاه ولا تقولي إلا خيرا، اجل لقد قصرت في حقك، وصابتني ساعة ذهول حين قدمت خيل محمد والمسلمين، اخبريني يا اختاه عن امرك، فأخبرته كيف منَّ عليها رسول الله واعتقها قال: يا أختاه كيف رأيتِ الرجل؟ قالت: رأيت فيه كل خير، ورأيت منه كل خير، وقد رأيته يحب الفقير، ويفك الأسير، ويرحم الصغير، ويعرف قدر الكبير، وما رأيت أجود ولا أكرم منه، وإن يكن نبياً فللسابق إليه فضل، وإن يكن ملكاً فلا تزال في عزّ ملكه، فإحسان النبي صلى الله عليه وسلم لأخته سفانة توجه الى المدينةالمنورة، ودخل على الرسول في المسجد، وهو يظن أنه سيلقى ملكاً، قال: فسلمت عليه، فقال النبي: (من الرجل؟)، قلت: عدي بن حاتم فقال: (مرحبا بك)، فقام وأخذ بيدي وتوجه بي الى بيته، فلقيته في الطريق امرأة ضعيفة متقدمة في السن، ذات هيئة رثة فاستوقفته، فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها وما زال واقفاّ يكلمها، والذي بعثه بالحق نبيا، لم يدر وجهه عنها ولم يعطها ظهره ولم يتركها، حتى كانت هي التي قطعت الحديث واستدارت وتركته قائما، فقلت ويل أمك يا عدي انت لا تقف مع ملك من ملوك الدنيا، فليس هذا من فعل الملوك ثم دخل بيته وقدمني بالدخول، فتناول وسادة فقذفها الي وقال: (اجلس على هذه)، فقلت: بل أجلس أنت، فقال: (بل أنت اجلس إنما أنت الضيف والكرامة للضيف)، فجلست وجلس النبي متربعاً على الأرض، فقلت: هذه أخرى يا عدي وهل الملوك تجلس على الارض؟ فقال النبي: (مرحبا يا عدي بن حاتم، كيف انت؟)، وأخذ يحدثني، فلما استأنست معه بالحديث رفع رأسه إلي وقال: (يا عدي أسلم تسلم)، فقلت: إن لي ديناً، قال: (أنا أعلم بدينك منك، ألست ترأس قومك؟)، قلت: بلى، قال: (ألست نصرانين ركوسين)، أي يخلط معها عبادة الاصنام، قلت: بلى، قال: (ألست تأكل المِربَاع؟)، أي ربع غنائم الحرب، قلت: بلى، قال: (فإن ذلك لا يحل لك في دينك)، فتضعضعت لذلك، واخذ يعد لي أشياء عني كأنه كان يعيش معي، ثم قال: (يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، فإنه ما يمنعك أن تسلم وتدخل في هذا الدين قلة أهله وكثرة عدوه، ألا والذي نفسي بيده يا عدي، ليوشكن أن ترى القصور البيض قد فتحت على أيديهم، وجاست بها خيل المسلمين، يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين خصاصة تراها من حولي، ألا والذي نفسي بيده ليوشكن ان ترى الغلمان يطفون بالمال لا يقبله احد، ولا يأخذ منه شيء، بل يزيدون عليه حتى يرجع لبيت مال المسلمين اكثر مما خرجوا به، وتوشك الظعينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت)، وأخذ يعدد لي كل شيء في نفسي كان يحجبني عن الاسلام، ثم قال: (يا عدي اسلم تسلم)، فقلت: بأبي وامي انت يا رسول الله كيف علمت عني كل هذا؟ فقال: (يا عدي إنما انت تجلس مع نبي ورسول ليس مع ملك من ملوك الدنيا)، فقلت: اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله، وعاش عدي مئة واربعين عام لخلافة علي بن ابي طالب، وشهد المعارك مع علي كلها، واستشهد علي رضي الله عنه وبقي عدي على قيدالحياة، قال للتابعين: والذي بعثه بالحق لقد عشت حتى رأيت اثنتين من نبوأة النبي، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز ودخلت بخيلي قصور كسرى وجمعنا غنائمها، وها انا رأيت المرأة تخرج من الحيرة حتى تؤم بيت الله الحرام لا تدخل بجوار احد، وأحلف بالله لترون الثالثة وترون الغلمان يطفون بالمال لا يقبله احد، ولا يأخذ منه شي بل يزيدون عليه حتى يرجع لبيت مال المسلمين اكثر مما خرجوا به.

🌾
💐
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *