الخروج الى تبوك

تجمع جيش المسلمين وعدده ثلاثين الف للخروج لقتال الروم في الشام قبل أن يتحرك الروم في اتجاه المدينة خرج في يوم الخميس غرة رجب من السنة التاسعة من الهجرة، وكانت هذه هي أصعب غزوات النبي لأن المسافة بعيدة جدا، تصل الى حوالي ألف كيلو متر، في صحراء قاحلة وطرق وعرة، والحرارة شديدة جدا، وعدد قليل من المراكب، فكان كل ثلاثة أو أربعة أو أكثر يتعاقبون على بعير واحد ومعنى هذا أن كل رجل في الجيش يسير على قدميه حوالي سبعمئة كم وعسكر بالجيش بالقرب من المدينة وانطلق الجيش، وأخذ المنافقون ينسحبون واحداً تلوى الاخر فكانوا يتخلفون عن الجيش، ويعودون الى المدينة، فكان كلما تخلف واحد ورأه الصحابة يقولون: يا رسول الله تخلف فلان فيقول: (دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه)، وبعد مسيرة ثلاثة ايام من المدينة، راى من كان آخر الجيش ان ابا ذر قد جلس وتأخر ولم يلحق بهم، فأخبروا النبي أن ابا ذر قد تخلف، واذا بالنبي يكرر المقولة نفسها التي قالها عن المنافقين، ومع ذلك لم يستثنيه بوصف اخر فقال: (دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم)، قال ابو ذر: جلست أعالج بعيري، فلما أعياني تركته باركاً في الصحراء، وأخذت متاعي على ظهري ولحقت مشياً بالجيش على قدماي، فلما كانوا على مقربة من تبوك، استراح الجيش وكان الصحابة قلقون على ابي ذر، فأخذوا يراقبون الطريق لعله يلحق، فنظروا من بعيد فإذا برجل يسير على قدميه ومتاعه على ظهره، فقال أحد الصحابة: يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق، فما راعنا إلا والنبي يشير بأصبعه بأتجاه الرجل من بعيد ويقول: (كن أبا ذر كن أبا ذر) فلما اقترب تبينه المسلمون وقالوا: يا رسول الله، الله اكبر هو والله أبو ذر فقال النبي: (رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث يوم القيامة امة وحده)، وقد تحققت نبوءة النبي فيه في خلافة عثمان مات وحيدا ودفنه عبدالله بن مسعود، قدم ابو ذر وقد جف ريقه من العطش، وقد تسلخت قدماه من المشي على الرمال الحارة، وقد أتعبه حمل متاعه على ظهره، وهو يتلهف أن يلحق بالنبي؛ فأقترب وجلس بين يدي النبي وقال: يا رسول الله استغفر لي، قال له النبي: (من اي شيء؟)، قال: أعياني بعيري فعالجته حتى يأست منه فتركته في الصحراء، وحملت متاعي على ظهري، حتى لحقت فأستغفر لي عن هذا التأخر، فذرفت عين النبي وقال: (لقد حط الله عنك يا أبا ذر في كل خطوة مشيتها سيئة وكتب لك حسنة ورفعك بها في الجنة درجة)، وكان ممن تخلف عن مسيره مع رسول الله الصاحبي الجليل أبو خثيمة قال: عندما مضى النبي بالجيش، قلت في نفسي أني في استعداد وفي سعة، فإذا انطلق الجيش انطلقت، فبقيت في داري ولم اعسكر مع الجيش فلما انطلق الجيش قلت: الحق بهم اخر النهار فأنا على استعداد فغلبتني نفسي ونمت تلك الليلة، فلما كان النهار مضيت في بعض شأني ثم عدت الى حائطي وكان عندي زوجتان وكان يوما حارا فلما دخلت حائطي وجدت زوجتاي في عريشتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها، وبرّدتا فيها ماء، وهيأتا طعاما، وترجو كل واحدة ان اكون نزيلها وكان يوما شديد الحر، فلما دخلت نظرت إلى زوجتي وما صنعتا فقلت: رسول الله خير خلقه الله، وخاتم رسله مع خيرة صحبه تحت حر الشمس، وعسيف الرمال، يسير في سبيل الله في الحر وأبو خثيمة في ظلّ بارد وماء مهيأ، وامرأة حسناء؟ ما هذا بالنصف وماهذا من شعائر الايمان والله، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئا لي زادا ففعلتا ثم ركب بعيره وأخذ سيفه ورمحه ثم انطلق يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل بتبوك فلما دنا أبو خثيمة قال الناس: هذا راكب مقبل فقال النبي: (كن أبا خثيمة)، فقالوا: يا رسول الله هو والله أبو خثيمة فلما أناخ أقبل يسلم على رسول الله وهو يقول: يا رسول الله استغفر لي لقد كان من أمري كذا وكذا اخبر النبي بقصته فرفع النبي إليه رأسه بجد وقال له: (أولى لك يا أبا خثيمة) ثم قال له النبي: (أذهب فأستغفر الله).

🌾
🍒
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *