العودة من تبوك للمدينة

وعند العودة أصابهم عطشاّ شديداً وتعبا وهوانا، واخذ المنافقون يستغلون هذه الظروف، ويسخرون من هذا الجيش وهذا الخروج ومن كبار الصحابة كعثمان وعبدالرحمن بن عوف الذين انفقوا اموالهم لهذه الغزوة يقولون: أنفقتم اموالكم، فلا أنتم قاتلتم، ولا أنتم غنمتم فعلى اي شيء أنفقتم؟، لو كنت عملت بالمال الذي أنفقته كم كنت ربحت؟. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكشف النقاب عن المنافق رجاء أن يحسن إسلامه فيحقق الله في النبي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، ومن أجل ان لا يؤذي اقاربهم من الصحابة، وحتى لا يخرجوا من صفوف المسلمين علانية وينضموا الى العدو، فهيأ الله السبب للنبي لعله يعظهم فيزدادوا ايماناً فأشتد بهم العطش، فاشتكى الصحابة لرسول الله العطش فقال: (هل معكم شيء من ماء؟)، فجمعوا له مقدار، فقال لهم: (احضروا لي وعاء من أوعيتكم التي تسقوا بها دوابكم)، فأخذوا يفرشوا وعاء من الجلد، ثم تحلقوا حوله، قالوا: لقد أحاط بذلك الإناء اكثر من مئتي رجل، لا يزاحم رجل منهم الآخر فأخذ النبي الإناء الصغير فوضع يده اليمنى فيه فما ستر الماء جلدة يده، ثم قرأ ماشاء الله له ان يقرأ ثم دعا بما فتح الله عليه من دعاء ثم نفث بين أصابعه، ففارت اربعة عيون من الماء بين اصابعه تنبع وتسكب في ذلك الوعاء الكبير ثم قال: (استقوا واملؤا اسقيتكم)، فأخذنا نملأ بضع نهار حتى استقينا وسقينا دوابنا وملأنا أوعيتنا، والماء يفور من بين اصابعه صلى الله عليه وسلم ونحن ننظر، ثم قال: (هل بقي لكم من حاجة من ماء؟)، قلنا: اللهم لا، قد أكتفينا يا رسول الله فقال: (اشهد أن لا إله إلا الله وأني عبدالله ورسوله)، ثم قبض يده فتوقف نبض الماء، فقال الصحابة لبعض من لمسوا منهم النفاق: ويلكم ألم يكفيكم هذا؟ قالوا: بلغنا عن أهل الكتاب أن موسى قد ضرب الحجر بعصاه فأنبثقت منه أثنتا عشرة عيناً، ولكن السفهاء لم يفرقوا أنه من الطبيعي ان ينبع الماء من الحجر ومن الأرض، وأن ينزل من السماء، ولكن ليس من الطبيعي أن ينبع من يد بشر ويبقى بحدود اربع ساعات يتدفق من يد، فهذه معجزة، وفاقة المعجزات، وانزل الله سبعين آية من سورة التوبة، منها اخبار عن ما وقع، ومنها عن ما سيقع، بدأت بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ، إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } و {انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم يصفهم الله عزوجل {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، والعتاب الرقيق جداً،{عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}.

🌾
🍏
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *