قسموا الى؛ فئة تخلفت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لإدارة شؤن المدينه، وفئة تخلفوا ولكن ليس فيهم نفاق، وفئة تخلفوا نفاقاً، وهناك قوم كان لهم أعذار وهم الضعفاء والمرضى وغيرهم، قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريق العودة للمدينة: (إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مَسِيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العُذْرُ)، قالوا: يا رسول اللّه، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة حبسهم العذر)، كالشاب الذي أراد أن يخرج وليس له عذر، نظر النبي إليه وقال: (أليس لك أم؟)، قال: نعم، قال: (فمن يخدمها؟)، قال: أنا، قال: (من لها غيرك؟)، قال: الله، قال: (إلزمها فإن الجنة عند رجليها)، جلس النبي صلى الله عليه وسلم، واقبل الذين تخلفوا يقدمون الاعذار، ويحلفون ما تخلفنا عنك إلا لضرورة وعذر ويصطنعون الأعذار، ويقولون: استغفر لنا يا رسول الله، فيستغفر لهم فأنزل الله قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، فأخذوا يعتذرون والنبي يقبل عذرهم على ظاهره لا يناقشهم حتى فرغوا وكانوا قريب الثمانين رجلا، ثم أقبل ثلاثة رجال من خيار الصحابة، كعب بن مالك بايع يوم العقبة، وهلال بن امية، ومرارة بن الربيع، شهدوا بدرا، قال كعب: لم اتخلف عن رسول الله في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر لانهم خرجوا للعير وليس للقتال، فأخذت اقول: انا قادر على التجهز في اي وقت، وتجهز الناس حتى اصبح النبي على سفر ولم أصنع شيئاً، فقلت: انا قادر على ان انطلق في اي وقت، ولم اكن عقدت نية للتخلف عن رسول الله وخرج صلى الله عليه وسلم لتبوك، وطفقت اعدو لكي اتجهز معه، فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، وغلبتني نفسي، واصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون وانا لم اتجهز، ثم رجعت الى بيتي اريد ان اتجهز فلم ازل اتمادى حتى اسرعوا وتفارط الغزو، كنت اذا خرجت من بيتي وطفت في طرقات المدينة كان يحزنني أني لا أرى لي أسوة، لا اجد إلا رجلا مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء، وانا والله لست من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال: (ما فعل كعب بن مالك؟)، فقال له رجل من بني سلمة غفر الله له: يارسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه، فقام له معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: لا والله، بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عن كعب إلا خيرا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعت خبر قدوم النبي، حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بما أخرج من سخطه غدا، واخذت أستعين بكل ذي رأي من أهلي، فلما سمعت بوصول النبي صلى الله عليه وسلم، زاح عني الباطل، والله لا اجمع على نفسي ذنبين، تخلف وكذب والله سأصدق الله ورسوله، فلما انتهى الناس جئت إليه امشي الهوينة، فلما سلمت تبسم تبسُم المغضب، ثم قال: (تعال يا كعب)، فتقدمت أمشي الهوينة إليه فقال وهو مغضب: (تعال فأجلس)، فجلست بين يديه فقال: (ما خلفك عني؟)، قلت: يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر لقد اعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي، وإن حدثتك بصدق تسخط علي ويرضى الله والله ماكان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت، فقال صلى الله عليه وسلم: (أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك)، فتعجب الصحابة الذين كذبوا يصافحهم النبي ويستغفر لهم ويجدد لهم البيعة، والذي صدق يعرض عنه ثم لا يقبل له حديثاً، ويأمر الناس لمقاطعته، وذلك لأن الله عزوجل جعل لنا نواميس، فربى نبيه على الجلال فكلفه بما لم يكلف به المؤمنين وحرم عليه مالم يحرم على المؤمنين، فهل أمركم الله بقيام الليل فرضا؟ لا بل ندبه لكم ندباً، فمن لم يقم الليل فليس بعاصي أما النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا نام ليلة ولم يقم الليل قضاها في الليلة الثانية، إذن تربية الرجال في ميزان الله لا تكون بالدلال، وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم، وإذا سمعت نص قرآني وتدبرته يذهلك ذهولاً، اقرأ ماذا يقول الله عز وجل اية في سورة الاحزاب، قال تعالى يخاطب امهات المؤمنين نساء النبي: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} وحاشهن من ذلك، ولكن الله ضرب مثالاً: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} لأنه بيت يتنزل فيه القران ونسائه امهات للمؤمنين يجب ان يكنَّ القدوة الحسنة في المجتمع وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وهكذا الصديقون من الصحابة لا يسامحون بمثل هذه الأخطاء حتى يطهرهم الله في الدنيا
أما المنافقون فلهم يوم يجعل الولدان شيبا.