في عام الوفود شهدت المدينة حضور مكثفا للوفود من كل أنحاء الجزيرة العربية، زادت عن ستين وفداً، فجائت الى المدينة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما شاهدت قوة الدولة الإسلامية، ومن الوفود جاء مقتنعا بالإسلام والبعض جاء خوفا وطمعا في الدولة الإسلامية الناشئة القوية، وكان أول هذه الوفود قدوماً وأهمها من ناحية الأثر وفد ثقيف، وهي أكبر بطون قبيلة هوازن، وأشهرها، وكانت شبه مستقلة عن هوازن وتسكن مدينة الطائف على بعد حوالى مئة كم جنوب شرق مكة، وهي المدينة الثانية في بعد مكة، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي وهو أكبر زعماء الطائف، وأسلم بين يدي النبي وقال عنه النبي: (أنه يشبه المسيح عيسى عليه السلام) ثم سأل عروة النبي أن يرجع الى قومه بالإسلام، فقال له: (إن فعلت فانهم قاتلوك) فقال: يا رسول الله أنا أحب اليهم من أبصارهم فعاد، وأظهر اسلامه ودعا قومه الى الإسلام، ولكنهم رفضوا وسبوه وأغلظوا له القول وفي فجر اليوم التالي، صعد عروة على سطح منزله وأذن للصلاة، فخرج أحد الرجال ورماه بسهم فوقع على الأرض، وقال له أهله: ما ترى في دمك؟ فقال عروة: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ فلما بلغ النبي قال: (مثلُ عروة في قومه مثلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه)، فكانت ثقيف في وضع لا تحسد عليه: بسبب هزيمتها في حنين حتى بعد الحصار لم تجرؤ على الخروج لمواجهة المسلمين، ونسائهم وأبنائهم وأموالهم كانت في أيدي المسلمين. وأسلام جميع القبائل حتى بطون هوازن نفسها، والتي ثقيف أحد بطونها. واسلام عروة بن مسعود ومقتله كان حدثا جليلا ومزلزلا. ولأن قائد جيش هوازن مالك بن عوف النصري أسلم وكلفه النبي بحصار الطائف، فضيق ذلك عليهم بشدة،