اسلام ثقيف

وصل وفدها المكون من ستة أشخاص على رأسهم عبد ياليل بن مسعود، وأول من رآهم المغيرة بن شعبة، وكان يرعى الابل خارج المدينة، نهض مسرعا فلقيه أبو بكر الصديق وأخبره بقدوم ثقيف فقال أبو بكر: أقسمت عليك بالله لا تسبقني الى رسول الله، حتى أكون أنا من يحدثه، فذهب أبو بكر وبشر النبي، ثم ذهب اليهم المغيرة بن شعبة وعلمهم كيف يحيون النبي، فلما دخلوا لم يحيوه كما علمهم المغيرة، وانما حيوه بتحية الجاهلية، استقبل النبي الوفد استقبالاً طيباً يليق بنبي كريم ولم يذكرهم بشيء من الماضي، وأمر أن تضرب لهم خيمة في المسجد، أرق لقلوبهم، ويستمعوا الى حديث النبي ويشاهدوا أحوال المسلمين، ويتعلموا الإسلام، ويسمعوا القرآن، فكانوا يمكثون في المسجد، ثم يذهبوا الى رحالهم خارج المدينة وكانت بحراسة عثمان بن أبي العاص، فيتركهم عثمان ويذهب الى النبي ليتعلم على يديه، واذا لم يجد النبي يجلس الى أبي بكر أو أبي بن كعب ويتعلم القرآن وحفظ في هذه الأيام سورة البقرة، ثم أتى الى النبي، وقال: يا رسول الله إن القرآن يتفلت مني، فوضع النبي يده على صدره وقال: (يا شيطان اخرج من صدر عثمان)، قال عثمان: فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه، ثم جاء عثمان الى النبي وقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال له النبي: (ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا)، وأعجب النبي بعثمان وأحبه ورأى فيه خيرا كثيرا، جاء الوفد بعد ذلك ليسلم ولكنهم أرادوه بشروط معينة، فتحدث زعيمهم وقال: أفرأيت الزنى، فإنا قوم نغترب ولا بد لنا منه؟ فقال النبي: (هو عليكم حرام، فإن الله عز وجل يقول: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا})، قال: أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها؟ قال النبي: لكم رءوس أموالكم إن الله تعالى يقول: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين})، قال: أفرأيت الخمر، فإنه عصير أرضنا لا بد لنا منها؟ فقال النبي: (إن الله قد حرمها، وقرأ: {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون})، ثم طلبوا أن يتم اعفائهم من الصلاة، فرفض النبي وقال: (لا خير في دين لا صلاة فيه)، ثم خلا القوم بعضهم ببعض للتشاور وقالوا: ويحكم إنا نخاف إن خالفناه يوما كيوم مكة، انطلقوا نكاتبه على ما سألناه، فأتوا وقال زعيمهم: نعم، لك ما سألت ثم قال: أرأيت الربة أي صنمهم ماذا نصنع فيها؟ فرد النبي بمنتهى الحزم: (اهدموها)، ففزع الوفد وقال كنانة: هيهات، لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلها، فقال عمر بن الخطاب: يا ابن عبد ياليل ما أجهلك، إنما الربة حجر، فقال له: إنا لم نأتك يا ابن الخطاب، فبدؤا يساومون في توقيت هدم صنم اللات، فطلبوا أن يترك اللات ثلاث سنوات، فرفض النبي، فطلبوا تترك سنتين فرفض النبي فقالوا: سنة فرفض النبي، فطلبوا شهراً واحدا فرفض النبي، فقالوا: تول أنت هدمها، فأما نحن لا نهدمها أبدا، فأجابهم النبي وقال: (سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها)، فقالوا: ائذن لنا أن نرحل قبل رسولك ونخبر قومنا، فإنا أعلم بقومنا، فوافقهم النبي، ثم قالوا: يا رسول الله أمر علينا رجلا يؤمنا من قومنا، فأمر عليهم عثمان بن ابي العاص لانه أحرص القوم على تعلم الإسلام، ووجد فيه كفاءة قيادية ورفض النبي أن يؤمر عليهم زعيمهم لعدم اقتناعه بالإسلام، وكان تأمير النبي لعثمان بن ابي العاص وهو شاب صغير يدل على اقتناع النبي بالإمكانيات الهائلة للشباب، انطلق الوفد ولكن بقي عندهم مشكلة، مواجهة قومهم بكل هذا، لعلمهم أن غالبية ثقيف لا تزال ترفض الإسلام، فقال كنانة بن عبد ياليل: أنا أعلم الناس بثقيف، فاكتموهم القضية، وخوفوهم بالحرب والقتال، وأخبروهم أن محمدا سألنا أمورا أبيناها عليه، أن نهدم اللات والعزى، وأن نحرم الخمر والزنى والربا، فلما وصلوا خرجت ثقيف لاستقبالهم، فأظهر الوفد الحزن واتجهوا الى اللات، ثم قالوا لهم: أتينا رجلا فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف، وداخ له العرب ودان له الناس، فعرض علينا أمورا شدادا أن نهدم اللات، ونترك الخمر والزنا والربا، وأمرنا بالصلاة فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبدا فقال لهم الوفد: فتهيئوا للقتال وتعبئوا له ورمموا حصونكمة ومكثت ثقيف يومين، ثم القى الله في قلوبهم الرعب، فجاءوا الى الوفد وقالوا لهم: والله ما لنا به طاقة، وقد داخ له العرب، فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل، وصالحوه عليه فلما رأى الوفد ذلك قالوا لهم: فإنا قد صالحناه على ذلك، ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم قالوا: فلم كتمتمونا هذا الحديث، وغممتمونا أشد الغم؟ قالوا: أردنا أن يذهب الله عنكم نخوة الشيطان.

🌾
🍈
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *