اجتمع بنو عامر وقالوا: يا عامر ابن طفيل ألا ترى العرب تدخل في دين محمد افواجاً في الليل والنهار؟ فإن نخشى أن يظهر أمره على الجزيرة، فلنأخذ من أمرنا من الآن، فنرى أن تفد إليه واختر من تشاء من الرجال، فأختار أربد بن قيس وآخر يخدمهما، قال: يا أربد إني لا اخشى على نفسي رجل في قومي غيرك، وإني كنت والله أليت على نفسي حتى تتبع العرب كلها عقبي، فاليوم اتبع انا عقب هذا اليتيم من قريش، قم معي ولنا في الطريق حديث وشأن، فأنطلقا وخادمهما، فقال: إني سأفد على محمد، وأنت معي فأكلمه وأشاغله وأصرف وجهه عنك فإذا رأيت أنت الفرصة، فعلوه بالسيف فإذا قتل، فلن يستطيع قومه أن تقاتل العرب فيرضون بالدية فنعقلها لهم وتعود العرب لما كانت عليه، فكانت خطته غدر بالنبي ويتخلص من أربد يقتله أصحاب النبي، ويصبح ملكاً للعرب، ومع ذلك وافقه أربد، فلما قدما تقدم عامر فأخذ يسلم على النبي ويحيه بتحية الجاهلية ويدنو منه وقال: يا محمد خالَّني، فرجع النبي عنه الى الوراء خطوتين، وقال: (لا والله حتى تؤمن بالله وحده)، فأخذ يناقش النبي وهو ينظر الى صاحبه أربد وهو يدور حول النبي، فجعل عامر يخاصم النبي ويجادله، فأخرج سيفه قدر شبر، فيبست يده، وجعل عامر يومىء لأربد، فالتفت النبي ورأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال النبي: (اللهم اكفنيهما بما شئت)، وقال عامر: يا محمد مالي ان أسلمت؟ قال: (لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم)، قال: أتجعل لي الأمر من بعدك؟ قال النبي: (لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء)، قال: إذن تملكني الوبر ولا المدر) فقال النبي: (ليس هذا لك ولا لقومك)، فصاح في وجه النبي وقال: أما والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً، وفتيانًا مرداً، ولأربطن في كل نخلة في المدينة فرساً، فقال النبي: (الله يحول بينك وبين ذلك)، فولى وانصرف وهو يرغد ويزبد ويهدد وتبعه صاحبه أربد، واشار النبي لأصحابه بالهدوء فلم يصنع احد منهم معه شيئاً، ثم بسط النبي صلى الله عليه وسلم كفيه للسماء وقال: (اللهم أكفني عامر بن الطفيل بمرض وذلة).