وفد نصارى نجران

كان من أهم الوفود التي قدمت المدينة، ونجران هي بلد كبيرة في جنوب الجزيرة العربية، وجُل أهلها من النصارى وولائهم للروم، وكان صلى الله عليه وسلم قد أرسل اليهم كتاباً يدعوهم فيه الى الإسلام، فان ابو فدفع الجزية فلما وصلهم الكتاب قرروا أن يرسلوا وفدا رسميا لمجادلة النبي، وكان ستون رجلا وامرأة وصبيا، منهم اربعة عشر رجلا من وجهائهم يرئسهم ثلاثة من رجال الدين تحت اسماء كانوا يقدسونها، العاقب هو صاحب المرتبة العلية واسمه عبد المسيح وهو من كندى، ثم بعده يأتي الأسقف ثم السيد، فوصل الوفد عند العصر، فخلعوا ثياب السفر وبدلوها ولبسوا الحرير والذهب حتى يبهروا المسلمين وتوشحوا بالصلبان مستعدين لمقابلة النبي صلى الله عليه وسلم في هيئة رسمية، فرحب بهم النبي ترحيب خير مضاف لخير ضيف وادخلهم الى المسجد وأمر أصحابه على الفور ان يضربوا لهم قبةً في جانب المسجد، وأذن لهم ان يدخلوا بصبيانهم ونسائهم، وأن يمارسوا حريتهم كأنهم في منازلهم، وعندما دخلوا كانت صلاة العصر، فقام المسلمون يصلون، وقام الوفد يصلي صلاته في المسجد فأخذوا يرددون تراتيلهم ورفعوا الأصنام واستقبلوا بيت المقدس فأراد الناس منعهم، ولكن النبي قال: (دعوهم)، وترك لهم حرية ان يختاروا وقت جلوسهم مع النبي والحديث معه، وكانوا يحملون الهدايا للنبي، فبدءوا بتقديمها فكان في الهدايا الثياب والبسط وبعض متاع بلادهم، والجلود المدبوغة فأستعرض النبي هداياهم فقبل كل شيء إلا ما فيه نقش الصليب رده بأدب وقال: (هذا لا يتفق مع سلامة العقيدة)، لأن العقيدة واحدة وهي التي أمر الله بها، فهو دين الله قبل أن يخلق آدم، ودين الملائكة ودين الجن ودين آدم، وجميع الانبياء والرسل الذي انزله الله عليهم جميعاً، فاليهود هم الذين ادخلوا دسيست التحريف على النصارى

لذلك وصفهم الله بالقرآن {المغضوب عليهم} لأنهم عصوا الله على علم، أما النصارى فوصفهم بالضآلين لأنهم ضُللوا عن الحقيقة وسبب ضلالهم اليهود الذين قال الله فيهم {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}، ان الدين عند الله الاسلام شريعة أبراهيم عليه السلام ثم طورت بشريعة موسى عليه السلام ثم شريعة عيسى عليه السلام وكانت خاتمة الشرائع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كلها من عند الله، وبعد ثلاثة ايام طلبوا من النبي أن يجلسوا إليه ويحدثوه، فكان وفدهم لا يعبر عن الحقيقة، بل جدل طويل واستمر اياماً، فلما رأى النبي جدلهم عقيماً لا يريدون به معرفة الحقيقة، أختصر الطريق عليهم فدعاهم الى الاسلام قال لهم: (فإني ادعوكم ان تدخلوا في دين الله وان تسلموا)، فلم يقبلوه بل قال له اميرهم عبد المسيح الملقب بالعاقب قال: نحن مسلمون قبلك يا محمد فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنما يمنعكم من الإسلام ثلاثة؛ عبادتكم الصليب وأكلكم لحم الخنزير، وزعمكم أن لله ولداً)، هنا تمسكوا بالأمر الثالث واكثروا الجدل فيها قالوا: ما لك تشتم صاحبنا؟ وتقول: إنه عبد لله عز وجل، فقال النبي: (أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول)، فقالوا: هل رأيت إنساناً قط من غير أب، فإن كنت صادقاً فأرنا مثله؟ فلم يجبهم، وإذا بالوحي يتنزل ليرد عليهم، ورأوا وهم جالسين عند رسول الله صلى الله عليه، صفاته صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، ثم قرأ عليهم ما أنزل الله عليه فقال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، فالنصارى لا ينكرون أن آدم قد خلق بلا أب ولا أم، فلما سمعوا كلام الله اخرسوا واحبطوا وقالوا: أجل ولكن بقي جدالهم بأن نسلم أو لا نسلم.

🌾
☘️
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *