وفد كريم شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالخير قبل أن يفدوا، من قبيلة عبد القيس، يسكنون البحرين، لم يصلهم رسل ولا تهديد ولا جيوش فهم لم يُكرهوا على الاسلام، قيل: أن رجلاً منهم جاء الى مكة وسمع بالإسلام، فأتى الى المدينة فأسلم ولم يعلم به أحد، ثم أنطلق وحينما رأوا أنها قد تغيرت أحواله، رأته زوجته يقوم في الليل يغسل أطرافه ثم يتجه الى جهة معينة ثم يركع ويسجد، فذهبت وأخبرت أباها: إني أنكر حال بعلي منذ أن رجع من أرض الحجاز فإنه يقوم في الليل أو النهار يغسل اطرافه، ثم يتجه الى جهة، ثم يحني ظهره مرتين ويُلبس جبهته التراب، فكلمه ابوها
عرف منه الاسلام فقبله ودعى قومه إليه فأسلموا، فجمعوا منهم وفداً فقدموا في عام الوفود قال الصحابة: بينا نحن جلوس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لنا: (سيطلع عليكم من ها هنا ركبٌ، هم خير أهل المشرق لم يُكرهوا على الإسلام، قد أمضوا الركائب وأفنوا الزاد)، فلم يملك نفسه عمر وقال: بأمي انت وأمي ائذن لي أن أستقبلهم على ابواب المدينة؟ وانطلق واستقبلهم وكان عددهم اربعين بين رجال ونساء وصبية، فقال عمر: من القوم؟ فقالوا: عبد القيس من البحرين فقال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى، لقد شهد لكم رسول الله قبل أن تصلوه، ثم سار معهم وهو يرحب بهم حتى إذا كان عند ابواب المسجد قال لهم عمر: ها هنا صاحبكم فترجلوا، فألقوا بأنفسهم من على رواحلهم وهرولوا الى المسجد، وأخذوا يقبلون رأس النبي صلى الله عليه وسلم ويديه إلا رجلاً واحداً، ويعرف بأشج عبد القيس، بسبب جرح في وجهه بليغ فنزل عن راحلته بكل هدوء، وجمع رواحل القوم حتى لا تسرح ها هنا، وها هنا، ثم أناخها وعقلها، ثم أخرج ثوبين أبيضين نظيفين ثم غسل وجهه بالماء فذهب عنه غبار السفر، ولبس الثياب النظيفة ودخل المسجد بهدوء وسكينة حتى أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وانكب على رأسه يقبله ويقبل يديه وأخذ الناس ينظرون إليه، وكان رجلاً ليس حسن الهيئة، فلما رآهم مستغربين، قال الاشج: يا رسول الله إنه لا يستسقى بمسوك الرجال وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فنظر إليه النبي نظرة سرور وعلاه الرضى وقال له: (إن فيك يا أشج لخلتين يحبهما الله عزوجل ورسوله، الحلم والأناة، فقال: يا رسول الله تخلقتهما أم جبلني الله عليهما؟ فقال: (جبلك الله عليهما)، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله، فقال النبي يخاطب الوفد: (مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى)، فلما كان يحدثهم نظر في رجل منهم وتفرس فيه أنه غير مسلم وكان اسمه الجارود بن بشر، قال الصحابة: فما راعنا إلا والنبي يرفع رأسه ويقول له: (يا جارود إني ادعوك الى لا اله الا الله محمد رسول الله، فتدخل في دين الله)، فقال: يا محمد إني كنت على دين وإني تارك ديني لدينك، أفتضمن لي ديني؟ فقال رسول الله: (إني أنا ضامن لك أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه، إن الدين عند الله الاسلام فهو دين عيسى وموسى ومحمد والناس أجمعين) فقال: والذي بعثك بالحق، لقد وجدت صفتك التي أرى الآن ونطقك الذي أسمع الآن، في الانجيل كما بشر به ابن البتول عليه السلام وانا اشهد ان لا اله الا الله، وانك محمد خاتم النبيين، وكان الجارود سيد قومه في البحرين فلما عاد اسلم قومه كلهم لم يناقشوه ابداً وكان له أثر طيبٌ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إذ تسللت الردة الى بعض الأقوام، فلما شم الجارود رضي الله عنه رائحة الردة قد تقع في البحرين وقف وجمع قومه وجدد الشهادة وقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله وإن مات فإن الموت حق، الله الحي الذي لا يموت، أما والله من بعث محمداً بالحق، ما أرتد احد منكم عن دينه إلا ضربت عنقه هل رأيتم الذي يصدق الله؟