جاء من اليمامة من جهة اليمن، وكان صاحب الكلمة فيهم مسيلمة بن حبيب، ولم يكن يعرف بالكذاب وكان نصرانياً، واقام في القدس يتعلم الدين النصراني، وكان هناك اخبار من الرهبان أنهم ينتظرون ظهور نبي تحدث عنه الإنجيل وكان كل واحد منهم يمني نفسه ويرجو أن يكون هو النبي المنتظر، فلما عاد مسيلمة الى اليمامة، وجد أن عدداً كبيراً من نصارى بني حنيفة قد تركوا النصرانية ودخلوا في الإسلام، بما في ذلك الأمير ثمامة الحنفي، واشتكى اليه الرهبان من دخولهم في الإسلام، وكان مسيلمة رجلا متكلماً وشاعراً فأخذ يصنع لقومه الشعر والسجع وأخذ يقول: هذا مثل الذي يقوله محمد، هذا مثل الذي ينزل عليه من السماء، وانا قد أنزل علي ولكن اجمع قومه على أن يأتوا المدينة ويقابلوا النبي كسائر العرب، فلما ذهب وفد الى المدينة، ذهب معهم مسيلمة وهو يرتدي الصليب، وكان وهو قادم في طريقه الى النبي كان يقول لكبار قومه إن أشركني محمد معه في الأمر، وعهد إلي به من بعده آمنت به واتبعته وإلا لن أدخل في دينه ابداً، وكان قرار قومه إذا دخلوا المدينة أن يستروه بالثياب تعظيماً له ووقف رجال من قومه أمامه وخلفه، وعن جانبيه ينتظرون قدوم النبي، وقبل قدوم وفد بني حنيفة راع الصحابة بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر له وفد اليمامة، صنع شيئاً لم يصنعه من قبل عند استقبال اي وفد، جاء الى نخلة فأخذ بيده منها عرق ليس فيه إلا ورقة واحدة ومضى ومعه عدد قليل من اصحابه فلما أقبل عليهم النبي رحب بهم وسلم، فرفعوا الحجاب من الثياب عن رأس مسيلمة وافسح قومه له المجلس حتى يجلس ويكون هو المتكلم فيهم، فبدأ النبي بالحديث قبل ان يتكلموا على غير عادته، وقال:(والله يا مسيلمة لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيته لك وإني لأراك الذي أوريته في نومي، ولن تعدوا أمر الله فيك)، ثم صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عنه، وذهل الصحابة وقالوا: يا رسول الله مالذي أوريته؟ فلما قال له النبي ذلك اضطر الوفد ان يقتربوا من بعضهم كي يتشاورا، والتفت الصحابة الى النبي صلى الله عليه وسلم يسألوه قالوا يارسول الله مالذي أوريته؟ قال: (بينما أنا نائم أوريت في يدي سوارين من ذهب وأهمني شأنهما فأوحي إلي وأنا نائم، أن انفخهما فنفختهما فطارا من يدي)، فقال له الصحابة: فبما أولتهما يا رسول الله، قال: (بكذابان يخرجان في الأمة هذا أحدهما)، وقد سمع الشقي كلام النبي صلى الله عليه وسلم والنبي يشير إليه ويقول عنه كذاب، فالكفر عناد فلما سمع قومه كلام النبي صلى الله عليه وسلم اتعظوا واسلموا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الاسلام، فأعلن مسيلمة اسلامه نفاقاً وبقي يكتم ما يريد في قلبه، ففقهم النبي صلى الله عليه وسلم بالدين وعلمهم القرآن ثم أذن لهم وانطلقوا راجعين الى بلادهم