لما أتم النبي صلى الله عليه وسلم طوافه، أتى مقام أبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ قول الله: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فوقف وراء المقام وصلى ركعتين قرأ فيهما بعد الفاتحة سورة الكافرون
وفي الثانية الاخلاص، ثم دعى ما شاء الله له أن يدعو ثم توجه صلى الله عليه وسلم الى زمزم، وقال لاصحابه: (أشربوا منها وتضلعوا فوالله ما أحبها إلا مؤمن، وما أبغضها إلا منافق)، ثم حمل إناء فيه ماء زمزم بين يديه ورفعه وهو يقول: (ماء زمزم لما شرب له، خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام طعم، وشفاء سقم، سقيا جدكم أسماعيل)، شرب صلى الله عليه وسلم من زمزم ودعى، قالت امنا عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل ماء زمزم في الإداري والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم، ثم اتجه إلى الصفا وقرأ وهو يرتقي على الصفا قوله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}، ثم قال: (أبدأُ بِما بدأ الله به)، ثم وقف على صخرات الصفا وأستقبل البيت، حتى إذا وقع نظره عليه، رفع يديه كهيئة الداعي قائلاً: (بسم الله، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر)، ثم (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده واعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد الا أياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ثم دعى ما شاء الله له ان يدعو، ثم كرر التكبير ثم دعى ما شاء الله له ان يدعو، ثم كرر التكبير وهو مستقبلاً البيت مشيراً بيده إليه حتى إذا أتم ذلك، واصحابه يأخذون عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: (خذو عني مناسككم)، ثم اتجه نحو المروة وبدأ سعيه صلى الله عليه وسلم ماشياً، فما زال ينحدر نزولاً من الصفا حتى أستقر في بطن الوادي هرول، وكان يدعو: (ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربي اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا)، حتى إذا رقى المروة صلى الله عليه وسلم قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} وكلما رقى المروة والصفا تلاها، حتى انتهى الشوط السابع عند المروة، وقف واستقبل البيت ودعى الله ماشاء له ان يدعو، وكان اصحابه بين يديه صلى الله عليه وسلم قد ملؤوا المسعى، فقال بأعلى صوته: (من كان قد ساق معه الهدي فليبقى على أحرامه، ومن لم يكن قد ساق هديه فليحل وليجعلها عمرة)، وتباطئ الصحابة، ليس عصيان لأمره ولكن عز على الصحابة أن يحلو ورسول الله لم يحل وهم يريدون أن يفعلوا كفعله، فكررها وقال: (لقد دخلت العمرة على الحج فمن لم يكن قد ساق هديه فليحل وليجعلها عمرة)، فقال سراقة بن مالك رضي الله عنه: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال اصحابه: فشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابع يديه وقال: (بل دخلت العمرة على الحج الى الأبد)، ثم قال لهم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ماسقت هدياً ولجعلتها عمرة ولكن سقت الهدي والله تعالى يقول: { وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وإن محله يوم النحر وفي ارض منى).