وبعد أن نحر صلى الله عليه وسلم دعى الحلاق معمر بن عبدالله رضي الله عنه وكان من عامة الناس، أسلم يوم فتح مكة، وكان حلاقٌ ماهر، فأخذ الموسي وجلس صلى الله عليه وسلم بين يديه وكان شعره يضرب منكبيه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابي طلحة الأنصاري ان يجلس بين يديه ثم فرق صلى الله عليه وسلم شعره نصفين فألقى نصفه على يمينه، و نصفه الآخر على شماله ثم قال: (يا معمر لقد امكنك رسول الله من شحمة أذنه وعنقه بين يديك والموسي في يدك)، فذرفت عينا معمر وقال: المنة لله ورسوله، الحمد لله الذي جعلني موضع ثقة رسول الله، فأخذ بالموسي بالشق الأيمن، وتقدم سهيل بن عمرو فما جعل شعرة تسقط على الأرض إلا اخذها وقبَّلها ووضعها على عينه وهو يقول: شعر رسول الله فداه ابي وامي، فقال النبي: (يا ابا طلحة أقسم شعري بين أصحابنا)، فأخذ يقسمه لمن حضر من الصحابة فكان نصيب الصحابي الشعرة والشعرتين، وتقدم خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقال: بأبي وامي انت يا رسول الله أعطني بيدك من شعرك فأعطاه ثلاث شعرات من ناصيته، فأخذها ووضعها في قلنسوته، قال خالد: كنت لا أرى النصر والظفر على الاعداء إلا ببركتها على راسي، ويوم القادسية سقطت فقفز خالد عن صهوة جواده، واخذ يبحث عنها بين أرجل الخيل حتى وجدها واخذها ووضعها على راسه ثم ركب جواده وقاتل حتى تم النصر، فتقدم إليه كبار الصحابة وأخذوا يعنفوه ويلوموه: يا خالد انت رمز الجند انت صاحب اللواء
كيف تلقي بنفسك بين ارجل الخيل بحثاً عن قلنسوة؟ لقد هممنا ان نلقي لك بضعة عشرة قلنسوة، ولا ان تلقي نفسك على الارض، فبكى خالد حتى بلَ لحيته وقال: ألا تدرون ماذا في هذه القلنسوة؟ إن فيها ثلاث شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطانيها بيده يوم حجة الوداع، فوالله الذي بعثه بالحق لا أرى النصر يحفني من كل جانب إلا ببركتها.