عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع، ارسل لعلي أن يلحق به الى مكة ومعه اموال الخمس والغنائم الصدقات والزكاة والخراج، خرج علي رضي الله عنه مع اهل اليمن وفي الطريق قال علي لمن معه: اسبقوني وألحق بكم وأوصاهم أن لا يقربوا أموال الغنائم، وأن لا يركبوا على أبل الصدقة، ثم وضع لهم اميرا عليهم وانطلقوا، فلما لحق بهم وجدهم قد ركبوا الأبل ولبسوا من ثياب اموال الصدقة، فغضب وعنفهم، فأنزعجوا وتضايقوا وظنوا ان علي قد بخل عليهم، فلما وصلوا مكة جاءوا يشتكون علي للنبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: كان علي شديد علينا، وقابض يده فرضاهم النبي عن علي وانتهى الأمر واقر النبي فعل علي، فقال لهم: (قد علمت أنه قد احسن)، فهنا دافع النبي عن علي، الآن كثر بين الناس القال والقيل في الموضوع وانتشر الخبر بين الناس، فلما انتهى الحج، إستحضر الصحابة احوال النبي بأنها تختلف عن باقي أيامه، فقد كثف عبادته، قالت امنا عائشة: قام ليلةً لم يبرح الصلاة فيها، يطيل السجود حتى كان الفجر ثم قام الليلة التي بعدها حتى كان الفجر، ثم قام الليلة التي بعدها حتى كان الفجر فتورمت ركبتاه وهو يطيل السجود، كان سجوده بمقدار ما يقرأ احدكم خمسين آية، فقلت له: يا رسول الله تطيل بهذا القيام وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: (يا عائشة أفلا اكون عبداً شكورا)، وصام وصالاً فلقد اصبح صائماً فلما أذن المغرب لم يفطر، ومضى ليله صائماً واستقبل يومه الثاني صائما، ودخل المغرب ولم يفطر، ومضى ليله صائما، ودخل اليوم الثالث صائما
وشاع الخبر من بيوت ازواجه ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمضى صائماً ثلاثة أيام بلياليها لم يفطر، فواصلوا في صيامهم، فلما علم بحالهم، قال: (بلغني بأنكم تواصلون الصيام، لا تفعلوا)، قالوا: قد بلغنا ان رسول الله يفعل، قال: (وأيكم مثلي أبيت يطعمني ربي ويسقين)، وأخذ صلى الله عليه وسلم يكثف في جلوسه مع اصحابه كالمودع لهم ويبشرهم ويقول: (لقد عرضت لي الجنة في حائط بني فلان، وأخذت أنظر فيها، حتى دنت ثمارها مني، وهممت أن اقطف قطفاً من ثمارها، وأضعه لكم في المسجد، فما زلتم تأكلون منه حتى ينفخ في الصور، ولكني أبيت لأن ذلك طعام أهل الجنة، وبينا أنا انظر في الجنة إذ سمعت قرع نعلٍ فقلت: من هذا؟ فإذا هو بلال)، ثم ألتفت الى بلال وقال: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة؟)، فبكى بلال وقال: يا رسول الله لا أعلم لي مزيد عمل أو فضل غير أني يا رسول الله ما أحدثت إلا توضأت ولا توضأت إلا صليت، فقال النبي: (هو بذا يا بلال)، فأخذ الصحابة يقلدون بلالا، وقال النبي: (رأيت قصراً عظيماً يلفت الأنظار فقلت: لمن هذا؟ فقيل لي: هو لعمر، ورايت جاريةً تتوضأ في صحنه، فهممت ان أنظر فيه، فتذكرت غيرة عمر بن الخطاب فصرفت نظري)، فجهش عمر بالبكاء وقال: أمنك وعليك أغار يا رسول الله؟ وهكذا ..، فعلم الصحابة أنه يودعهم صلى الله عليه وسلم.