قبل وبعد غزوة ذات الرقاع، ارسل النبي ست سرايا متتالية الى قبائل غطفان وغيرها وبعد هذه السرايا لن ترفع رأسها مرة أخرى أمام المسلمين، بل استكانت شيئا فشيئا حتى استسلمت، ثم أسلمت واحدة بعد الأخرى، وهي:
– سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله عنه الى بني الملوح قبل غزوة ذات الرقاع وكان سببها ان بني ملوح قد قتلوا بعض أصحاب النبي فأرسل اليهم غالب بن عبد الله الليثي ومعه سبعة عشر رجلا فوصلوا اليهم قبل غروب الشمس فلما كان الليل أرسلوا جندب الجهني ليستطلع فبينما هو منبطح خرج رجل من القوم من خيمته فقال لأمرأته: اني أرى على التل سوادا لم أره في أول يومي، فانظري الى أوعيتك لعل الكلاب تكون قد جرت منها شيئا فنظرت ثم قالت: ما فقدت من أوعيتي شيئا فقال لها: ناوليني قوسي وسهمين، فأرسل أحد السهام فأصابت جندب فانتزعه جندب وثبت مكانه لا يتحرك فارسل سهم آخر فوقع في منكبه فانتزعه وثبت مكانه، فقال الرجل لأمرأته: لو كان ربيئة للقوم لتحرك، لقد خالطه سهمان ولم يتحرك، فاذا أصبحت فاتي بالسهام لا تمضغها الكلاب، ثم دخل الى خيمته مرة أخرى فلما اطمأنوا وناموا شن المسلمين عليهم الغارة في الليل وقتلوا منهم من قتلوا وساقوا الانعام ثم طاردهم عدد كبير من بني الملوح حتى اذا قربوا من المسلمين نزل سيل عظيم ولم يكن في السماء سحابة واحدة وكان بين الفريقين وادي فامتلأ الوادي بالماء فحال بين الفريقين، ونجا المسلمين من مطارديهم، وشاهد الأعداء المسلمين وهم يسوقون أنعامهم متوجهين الى المدينة، ولم يستطيعوا الإقتراب منهم.
– سرية ابو بكر الصديق الى بني فزارة يتبعون لإغطفان وقد اغاروا عليهم بعد صلاة الفجر و غنموا منها المسلمون ورجعوا.
– سرية عمر بن الخطاب الى هوازن ارسل النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ومعه ثلاثين رجل الى هوزان
فلما وصل الخبر الى هوزان هربوا جميعا من الخوف فلما وصل عمر بن الخطاب الى مكان لهم اسمه تُربَة لم يجدوا أحد منهم فانصرفوا راجعين الى المدينة.
– سرية غالب بن عبد الله الليثي هذا الصحابي رضي الله عنه خرج على رأس سريتين ذكرنا الاولى وهذه الثانية ارسله صلى الله عليه وسلم الى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة في ناحية نجد وكان معه مئة وثلاثين رجل من الصحابة فهجموا عليهم جميعا، وقتلوا جمعا من أشرافهم واستاقوا الانعام والشاة، ولم يأسروا أحدا وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد رضي الله عنهما الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، يقول اسامة: كان رجل من القوم اسمه نهيك بن مرداس إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا، فعندما انهزموا يقول اسامة: فتبعته أنا ورجل من الأنصار، فرفعت عليه السيف فقال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام، فلما قدمت المدينة استقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلني واعتنقني، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة بن زيد يسأل عنه أصحابه، ويحب أن يُثنى عليه خيرا، فلما رجعوا لم يسألهم عنه فأخذ الصحابة يحدثون رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وبطولته، قالوا: يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة، لقيه رجل فقال الرجل لا إله إلا الله فشد عليه أسامة فقتله، فما راعنا إلا والنبي صلى الله عليه وسلم رفع راسه ونظر الى اسامة مغضبا وصاح به وقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟)، فقال أسامة: إنما قالها خوفا من السلاح، فقال النبي: (فهلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟ فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) قال أسامة: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.