أقبل عداس، وقال: أيها الرجل أرسل إليك سيدي، بهذا تفضل، وكُل منه فمد صلى الله عليه وسلم يده، وقال: (بسم الله الرحمن الرحيم). فتعجب عداس فقال: من أنت، وماذا تقول؟ والله هذه الكلمة لا يعرفها أهل هذه البلاد أبداً، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما اسمك، ومن أين أنت؟) قال: أنا عداس رجل نصراني من نينوى فابتسم النبي وقال: (من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟) فقال عداس بلهفة ودهشة: وما أدراك والله لقد خرجت منها منذ سنين، وليس فيها عشرة رجال يعرفون مَنْ يونس بن متى؛ فمن علمك به، وأنت في بلد الأُميين؟ فقال صلى الله عليه وسلم وهو مبتسم: (ذلك نبي وهو أخي، وأنا نبي مثله)، وأخبر صلى الله عليه وسلم عداس خبره مع قومه، وقرأ عليه قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}. فقال: أشهد أنك رسول الله المنتظر خاتم الأنبياء وهبّ يقبل رأسه ويديه وقدميه، وعتبة وشيبة ينظران ولما شاهداه قال أحدهم: أما غلامنا فقد أفسده محمد، فرجع إليهم. قالوا له: ويحك؟ أرسلناك تطعم الرجل وتسقيه قمت تقبِّل رأسه وقدميه ما الذي دهاك؟ قال: والله ما على وجه الأرض كلها، خير منه، قالوا: ويحك سحرك محمد يا عداس، قال: بل هداني إنه نبي، وأخبرني بأمر لا يعرفه إلا نبي، ورجع صلى الله عليه وسلم ولم يلقَ من أهل الطائف أي خير،