لم يخبر عمرو بن العاص أصحابه بشيء مما حدث، ولا باسلامه، ثم بقي في مكة كاتما اسلامه حتى أعد نفسه للهجرة، ثم خرج سرا الى المدينة المنورة لإعلان اسلامه بين يدي النبي، وفي الطريق قابل خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة متوجها الى المدينة ليعلنا أسلامهما، فسلم عليهما، وقالا له: ما الذي اخرجك وعهدنا بك في الحبشة؟ قال عمرو: وما الذي اخرجكما انتما؟ قال خالد: فعلمت أنه يقصد هدفاً ولكنه يراوغ وقال: والله لقد استقام المَنسِمُ يا عمرو وان الرجل لنبي، إذهب معنا فأسلم، فحتى متى؟ قال عمرو: فأنا والله ما جئت إلا لذلك. فقص عليهم ما حدث معه مع النجاشي وانه اسلم على يده، قال خالد: فسررنا به وانطلقنا ركباً ثلاثة، نقطع الطريق حتى وصلنا اطراف المدينة، فجلسنا نستريح ونبدل ثيابنا ونجهز انفسنا لمقابلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال خالد: فما ادهشني إلا وأخي الوليد يأتي مسرعاً إلينا ويقول: أسرع يا خالد فرسول الله في انتظاركم في المسجد، قلت: رسول الله ينتظرنا؟ لم نرسل له أحد يعلمه بقدومنا، قلت: من أخبره؟ قال: آتاه جبريل واخبره أنكم أتيتم مسلمين طائعين، وقد فرحنا بإسلامكم هيا اسرعوا، قال: فأسرعنا الخطى، حتى اذا وقفنا بباب المسجد، ونظرنا إليه نظر إلينا مشرق الوجه مبتسماً ضاحكاً، وقام إلينا مسروراً واستقبلنا وعانقنا ويقول: (مرحباً بإخواننا، مرحباً بإخواننا)، فجلست بين يديه، وبايعته على الاسلام وقلت له: يا رسول الله اغفرلي تلك المواقف التي وقفتها عليك، واخذت سيفي من عنقي، ووضعته بين يديه وقلت: وهذا اقدمه لك فوضع يده على كتفي وابتسم في وجهي وقال: (يا خالد الاسلام يهدم ما قبله واحتفظ بسيفك هذا واجعله معنا)، ثم تقدم عثمان بن طلحة وبايع النبي صلى الله عليه وسلم ثم تقدم عمرو بن العاص وقال: ابسط يمينك فأبايعك فبسط النبي يده فقبض عمرو يده، فقال له النبي: (مالك يا عمرو؟)، قال: أردت أن أشترط، قال النبي: (تشترط ماذا؟)، قال: أشترط أن يغفر لي، فقال له: (يا عمرو أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)، واسلامه اضافة كبيرة الى المسلمين، فقد كان من أحكم وأدهى العرب وهو الذي فتح مصر وفلسطين وقال عنه النبي كلمات لم يقلها لأحد غيره: (أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص)، وعندما احتضر عمرو حول وجهه الى الجدار وأخذ يبكي فجعل ابنه يقول له: يا أبتاه أما بشرك رسول الله بكذا وكذا، فقال: إني قد كنت على أطباق ثلاث قد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله مني ولا أحب إلي الا أن أستمكن منه فأقتله، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي، ما كان أحد أحب إلي من رسول الله ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلتني أن أصفه لك ما أطقت؛ ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة. وكذلك كان اسلام خالد اضافة هائلة الى قوة المسلمين، وكان له دورا رئيسيا في حروب الردة التي حفظت كيان الدولة الإسلامية ثم فتح العراق والشام، وهزم الفرس والروم وهو من القادة النادرين الذين لم يهزموا في أي معركة، وقال عنه عمر بن الخطاب: عجزت النساء أن يلدن مثل خالد، وقال عنه أصدقائه وأعدائه الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحدا ينام، رضي الله عن صحابة رسول الله اجمعين.