كانت بيعة الرضوان بأمر من الله عزوجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}، وعندما بركت ناقته القصواء قال: (والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم الى خطَّة، تعظم فيها حرمات الله إلا أجبتها) فقبلها وكانت البنود لا ترضي أحد من الصحابة، فقال النبي: (يا سهيل وما عليكم لو خليتم بيننا وبين البيت ساعة من نهار، فنطوف بالبيت وننحر هدينا؟)
فقال سهيل: لا تتحدث العرب أنَّ أخذنا ضغطَّة ترجع هذا العام بلا عمرة وترجع في العام القادم،
فقبل وقد أوضح صلى الله عليه وسلم، وجهة نظره للصحابة فقال: (إن من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً وهكذا لم يكن عند الصحابة بُعد النظر التي كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم
وبعد أن تم الإتفاق على بنود الصلح وقبل أن يتم توقيع المعاهدة بين النبي صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو، حدث أمر وزاد من هم الصحابة وكربهم، سمعوا ضجة فقام الرجال ينظرون فقال النبي: (ما الأمر؟) واذا هو أبو جندل ابن سهيل بن عمرو
كان ابو جندل قد أسلم وقد قيده وحبسه في بيته حتى لا يهاجر الى المسلمين في المدينة، ويشرف عليه كل يوم حتى لا يتضامن ويتعاطف عليه احد من الناس وبخروج ابوه استطاع أن يهرب من بيت أبيه ووصل لمعسكر المسلمين بالحديبية وهو مقيد بالأغلال، لان مفتاح القيد كان مع ابوه سهيل وكان يسير ويرسف في أغلاله، فجاء به الصحابة،
وعندما رآه أبوه وثب قائماً فقال يا محمد: هذا أول ما أقاضيك عليه ابو جندل على أن ترده الساعة معي، والصحابة ينظرون، ومضطربه قلوبهم من هذه المعاهدة، فحاول صلى الله عليه وسلم، أن يجد مخرجا لهذا الموقف الحرج فقال: (يا سهيل إننا لم نوقع الكتاب بعد، فأعتبره سابقاً لها) قال: لا، ووالله يا محمد لا أقاضيك على شيء أبداً، فقال النبي: (اذن فأجزه لي)، قال: ما أنا بمجيزه لك، فقال النبي: (بلى تفعل يا سهيل) قال: ما أنا بفاعل ولكن في هذا الموقف لم يقبل سهيل، لان القضية تتعلق بابنه ولم يكتف بذلك بل قام يضربه ضربا شديدا امام الكل، ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئا لأبي جندل، ومما زاد من ألمهم، أخذ يستغيث بالمسلمين وأخذ يصيح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، يا رسول الله أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟، فقال له النبي: (إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهدا، وإنا لا نغدر بهم يا أبا جندل اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً)،
ومن شدة تأثر المسلمين بهذا الموقف، ومن شدة اعتراضهم وعدم موافقتهم على هذا البند من الصلح قام عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه لم يتحمل هذا الموقف حين رأى أبو جندل يضربه أبوه والنبي يرفض أن يأخذ ابو جندل في صفوف المسلمين عملا ببنود المعاهدة، فقام عمر بن الخطاب واقترب منه وأخذ يقرب منه مقبض السيف ورجوت أن يأخذه ويضرب به اباه وخاطبه: اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب،
وتم توقيع الصلح وأخذ سهيل ابنه ونسخة من كتاب الصلح، وانصرف سهيل بن عمر بابنه المسلم أبو جندل.