مضى النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه لتبوك واستراح ليلاً، وانطلقت الابل في الوادي فلما كان وقت الرحيل افتقدوا ناقة النبي القصواء فلم يجدوها، وأخذ الصحابة يبحثون عنها وطال البحث عنها ولم يجدوها، والنبي جالسٌ في خيمته ومعه صحابي جليل عقبيا بدريا عمارة بن حزم رضي الله عنه، وفي خيمة عمارة كان يجلس فيها أصحابه ومنهم واحد اصله يهودي من بني قينقاع، اسلم نفاقاً اسمه زيد بن اللصيت فقال زيد بن اللصيت: يالا العجب أليس محمد يزعم أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء، ويخبرنا عن ما مضى وبما هو آتي وهو لا يدري أين ناقته؟ يقول عمارة: فما راعنا إلا والنبي صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه وهو يقول: إن رجلاً منافقاً في خيمة واشار بأصبعه بعيداً يقول: هذا محمد يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته، وإني والله لعبد الله ورسوله، وما أعلم إلا ما علمني الله، وها هو اخي جبريل قد حضر يعلمني اين الناقة، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي، في شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها)، فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال لاصحابه: والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا فقال: والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ونحن جلوس عنده، اذا به يتغير وجهه ويشير بأصبعه ويقول إن منافقا في خيمة يقول كذا وكذا، واخبرنا عن مكان الناقة، فأنطلقوا فوجودها كما قال واحضروها، فقال رجل: والله ما قام من مجلسنا رجل واحد وإن زيد والله هو من قال هذه المقالة قبل أن تأتي، فوثب عمارة على زيد مغضبا، يجأ في عنقه ويقول: إلي عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر، اخرج عدو الله من رحلي، فلا تصحبني بعد اليوم ساعة واحدة، لماذا؟ لان النبي قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، وتجهز النبي للرحيل، وأمر رجل من أصحابه: (نادي بالجيش وقل لهم: ألا إن رسول الله يقول لكم: إنكم مشرفون على تبوك غدا ان شاء الله تعالى، وستصلون إليها عند الضحى فمن سبقنا إليها فلا يقرب ولا يمس احد ماءها حتى احضر)، فيها عين ماء ضعيفة تبك الماء بكا، لذلك سميت تبوك، فلما وصلوا احاط الجيش بهذه العين ينتظروا النبي فلما وصل نظر الى البئر الى عينها وقال: (هل مس الماء منكم أحد؟)، فقال بعض الصحابة: أجل يارسول فلان وفلان؛ قال معاذ: فسبهم النبي، وقال لهما ماشاء الله له ان يقول، ثم قال: (لينزل منكم رجل يجمع لي ما أمكن من الماء)، فأحضر له من ماءها، فغسل صلى الله عليه وسلم فيه يديه، ثم غسل وجهه، ثم مضمض فيه، ثم ارجعه للوعاء ثم اعطاه للرجل وقال: (خذ وأدر الماء في العين)، فلما اداره فارت الماء وعلت ولها أذيذ كأن الماء انفجر من الارض انفجاراً، فما ادركنا الرجل حتى اخرجناه قبل ان يغرق حتى امتلأ الحوض وجلسنا على حفافه نغرف بأيدينا. فقال صلى الله عليه وسلم: (اشهد ان لا اله الا الله وأني رسول الله)، ثم نظر لمعاذ وقال: (يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ههنا ملىء جنانا وبساتين)، وتبوك كانت ارض صحراء ذات رمال، وها هي تبوك قد ملئت جنان وبساتين، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.