أذن بلال لصلاة الظهر وأقيمت فصلى بهم النبي ركعتين سراً، ثم أمر بلال أن يقيم الصلاة فصلى بهم ركعتين صلاة العصر قصراً وجمعاً، ثم أمر الناس أن يأخذوا راحتهم حتى تذهب حدة الشمس، ثم ركب صلى الله عليه وسلم ناقته وأتجه الى وسط عرفة حتى أتى الصخرات العظام الكبار فأسند صدر ناقته الى الصخرات ويمم وجهه الى الكعبة؛ وأخذ يدعو ربه ويستغفر ويبكي ويدعو لأمته، قال الصحابة: رفع يديه يدعو وبان بياض أبطيه، فما زال يدعو حتى سقط قرص الشمس، وهو قائمٌ لم يجلس يدعو ويتضرع الى الله، ويبكي لم تجف له دمعة، فأنزل الله جبريل عليه وقال: لقد قبل الله دعائك وغفر لأمتك إلا حقوق بعضهم على بعض، فما زال يدعو فلم تغفر وهو على عرفة، ولم يأذن بصلاة المغرب حتى بدت العتمة ثم اخذ طريقه وهو يقول:(افيضوا عباد الله مغفوراً لكم لقد غفر لكم ما مضى فأحرصوا على ما بقي)، فلما افاض صلى الله عليه وسلم، قالوا: فشنق صلى الله عليه وسلم للقصواء، واخذ يرفع كلتا يديه للناس وهو يقول: (السكينة، السكينة ياعباد الله ليس البر بالإيضاع)، وما زال يقول حتى أتى مزدلفة، فأمر أن ينزل الناس، فنزل وصلى بهم المغرب والعشاء جمع وقصر، ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم قليلاً لم ينم ولم يأمر الناس بالنوم ولم ينهاهم، وأذن صلى الله عليه وسلم للضعاف وللنساء ولمن له واجب في مكة كبني عبدالمطلب رخص لهم أن يفارقوا مزدلفة بعد منتصف الليل قبل الفجر رفعاً للمشقة عنهم، وبقي صلى الله عليه وسلم فيها الى ان طلع الفجر فصلى بالناس الصبح، ثم وقف عند المشعر الحرام يدعو الله ويستغفر، وألح بدعائه، حتى نزل جبريل وقال: إن الله يقول لك قد قبل دعائك وغفر لهم وتحمل حقوق بعضهم عن بعض والله عزوجل يغفر لكل من وقف عرفة، ويتحمل هو حقوق الناس، حتى اسرف النهار ثم قال: (لقد كانت قريش تخالف هدي ابراهيم عليه السلام لا يقفون على عرفة، ثم لا يفيضون من هنا حتى تشرق الشمس كأنها العمائم على رؤوس الرجال، ألا افيضوا قبل أن تشرق الشمس)، فأفاض من مزدلفة الى منىً قبل شروق الشمس، فلما وصل صلى الله عليه وسلم وادي محسر ارخى خضام ناقته وضرب بطنها حتى تسرع، وقال: (اسرعوا فإنها ارض قد غضب الله بها على قوم من عباده).