لم يصبر اليهود على العهود، وهم لا يتوقفون لحظة واحدة عن إثارة المشاكل في المدينة حتى انتهى الأمر بطرد بني قينقاع من المدينة، فخاف بني النضير وبني قريظة على أنفسهم، فاستكانوا والتزموا الهدوء،
ولكن بعد أحد ثم بعد مأساة الرجيع، وفاجعة بئر معونة، عادت إليهم جرأتهم مرة أخرى، وعادوا الى سابق عهدهم من سب الاسلام، والدخول في مصادمات مع المسلمين، واثارة الشائعات المغرضة، والتشكيك في الأسلام، وفي نبوة النبي، يقولون: ما أصيب بمثل هذا نبي قط، كما عادوا الى الاتصال بالمنافقين في المدينة، والمشركين في مكة، والعمل لصالحهم ضد المسلمين،
أراد النبي جمع دية قتل الخطأ، فذهب الى بني النضير في نفر من أصحابه وكان فيهم أبو بكر وعمر وعلي، حتى يتحملوا معه جزء من أموال هذه الدية استنادا للعهد الموثق حسب بنود وثيقة المدينة التي وضعها النبي بعد الهجرة، والتي نظمت العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في المدينة، وتوجهوا الى كبيرهم حيي بن أخطب، ودخل النبي عليه وهو في مجلسه، فرحبوا به وسلموا عليه وقال النبي: (جئتك يا حيي، وأن بيننا وبينكم عهود)، أن رجلا من الانصار قتل رجلين من الحلفاء، وعلينا دفع الدية، وأن تتحملوا ما عليهكم من أموال،
فقال حيي: نعم حباً وكرامة يا أبا القاسم نفعل ولكن أجلس ها هنا حتى تطعم أنت واصحابك وحتى نقضي حاجتك، فاجلسه خارج الدار وظهره لجدار الدار وأصحابه حوله، فذهب حيي الى رجاله، وقال: إنها فرصتكم، فلن تجدوا الرجل بمثلها بعد الآن قط فليس معه الا عشرة وهو جالس مطمئن، وهذه فرصة لا تتكرر فليصعد أحدكم على ظهر البيت الذي يجلس الى جواره، ويلقي حجر ضخم على رأسه ويقتله، ويريحنا منه الى الابد.