قرر النبي صلى الله عليه وسلم، تأديب غطفان وبعض القبائل التي تأامرت على المدينة فلم تكن هناك لحظة ضائعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة صحابته، وقد سمع النبي باجتماع قبيلتين من غطفان وهي بني أنمار وبني مُحارب ويريدون الإغارة على المدينة، فخرج صلى الله عليه وسلم، بنفسه الى ديار غطفان في جيش قوامه سبع مئة مقاتلا وهو عدد قليل نسبيا في مواجهة غطفان، لأنه لا يريد ترك المدينة بلا جيش يحميها، ولم يكن مع المسلمين سوى ستين أو سبعين بعيرا، يتناوبون ركوبها، وسار الرسول مسافة كبيرة بجيشه في عمق الصحراء وتوغل حتى بلغ ديار غطفان وهي إلى الشمال الشرقي من المدينة على مسافة حوالي ثلاثمائة كم، والصحابة يسيرون على أقدامهم، حتى بليت نعالهم وتلفت أقدامهم، وسقطت أظافرهم، وأخذوا يلفون الخرق وقطع القماش على أقدامهم، فلذلك سميت هذه الغزوة بذات الرقاع، وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى ديار غطفان كانت الظروف كلها في صالح غطفان فأعدادهم كبيرة، والمعركة في ديارهم، وفي الطرق والدروب التي يعرفونها جيدا والمسلمون أعدادهم قليلة، وهم قادمون من مسافة بعيدة، ومرهقون وقد تلفت أقدامهم من السير في الصحراء ومع كل هذه الظروف التي في صالح غطفان فإن غطفان اصابها الرعب وانسحبت من أمام المسلمين، ولم تكن هذه المرة الأولى التي ينسحب فيها أعداء المسلمين خوفا منهم وكان ذلك توفيقا من الله تعالى لذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) وهذا هو الإعداد الذي أمر الله به نبيه، لا كما يفهمه الناس اليوم قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} الإعداد هنا القوة الإيمانية ومعطوف عليها رباط الخيل هو السلاح فالمؤمن الحق صاحب الإيمان الصادق، الذي يقفو اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واصحابه إيمانه يهز قلوب الاعداء واذنابهم وشياطينهم، وله رهبة في قلوبهم هذا ما يخيفهم ويرعبهم، المؤمن الصادق لأنهم يعلمون أن هذه الفئة لا تلتفت لتطور السلاح، وقوة العدو متوكلون على الله ثم بإيمانهم فقط، لو وقفت الجبال في وجههم لأزالوها وكيف يصل المؤمن لهذا الايمان؟ بطاعة الله ورسوله باتباعه السنة. عاد المسلمون الى المدينة دون قتال وهكذا يكون وقد كسرت الاجنحة الثلاث ممن اشتركوا في غزوة الاحزاب من يهود وقريش وغطفان.