كان اذا مرض نفث على نفسه بالمعوذات، فمسح بها على جسده، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يغشى عليه ويفيق، فلم يستطع أن يفعل هذا فأخذت امنا عائشة تنفث في يد النبي صلى الله عليه وسلم ثم تمسح بيده الشريفة على جسده، رجاء بركة يده، ثم افاق فيقة من اغمائه وقال: (يا عائشة إن عندي في تلك الخانة دنانير من ذهب ماذا صنعتم بها؟)، قالت: هي عندي، فقال صلى الله عليه وسلم: (وماذا يقول محمد لربه إذا لقيه وفي حجرته سبعة دنانير ذهبية؟ احضريها يا عائشة)، فأحضرتها فوضعها في كفه ونظر إليها ثم قال: (يا علي خذ هذه الدنانير فأنفقها في سبيل الله، فلن يلقى محمد ربه وفي بيته دنانير من ذهب)، قالت عائشة: فلما خرج علي، والنبي يغمى عليه ويفيق كلما أفاق يسأل: (أرجعَ علي؟)، نقول: ليس بعد فلما رجع علي، قال له: (أنفقتها؟)، قال علي: أجل يا رسول الله كما تحب وترضى فقال النبي: (الحمد لله يلقى محمد ربه وهو بريء الذمة)، قالت عائشة: والذي بعثه بالحق كانت تمر علينا أيام، لا نملك شيء في حجرتنا من طعام أو شراب إلا قرص من شعير، فقمت في الليل يوماً لأسرج السراج فلم اجد فيه زيتاً وليس عندنا زيت وليس عندنا ما نشتري، فأرسلت به الى اسماء زوجة ابي بكر فقلت لها: يا اسماء اعصري لنا زيتا نضيء به حجرة النبي فو الله لا نملك زيتاً، فوضعت لنا فيه ما يضيء السراج، فلما كان يوم السبت وهو يفيق ويغيب من شدة الحمى اقبلت إليه ابنته فاطمة رضي الله عنها فلما رآها قال: (مرحباً بأبنتي)، وكانت أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً وهيئتاً ومشيتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأشبه لهجةً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت إذا دخل عليها في بيتها قامت إليه وقبَّلت يده ثم قبَّلها بين عينيها، وإذا دخلت عليه في أي حجرة قام إليها فأستقبلها من عند الباب، وأخذها من يدها وقبَّلَ بين عينيها، وقبلت يده واجلسها على فراشه جنباً الى جنب، ولكن اليوم حاول حين رآها فلم يستطع، فبكت وقالت: وااا كرب أباه، فقال: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم، أدني مني يا بنيتي)، فدنت وأجلسها على يمينه، ثم اقترب من أذنها وتحدث إليها حديثاً لم يسمعه أحد، فبكت بكاءاً شديداً، فلما رأى حزنها تحدث اليها مرة أخرى، فتوقفت عن البكاء وابتسمت وضحكت، وبعد وفاة النبي سألتها امنا عائشة عن ذلك فقالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرها أن جبريل قد قرأ عليه القرآن مرتين هذا العام ثم قال: (لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري)، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حزنها أسر لها أنها ستكون أول أهل بيته موتا بعده، وانها سيدة نساء اهل الجنة فضحكت.