موقف:
دخل رجلٌ من أهل الشام على أبي جعفرٍ المنصور فاستحسن لفظه وأدبه.
فقال له: سل حاجتك. فقال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويزيد في سلطانك. فقال: سل حاجتك فليس في كل وقتٍ يمكن أن يؤمر لك بذلك.
فقال: ولم يا أمير المؤمنين فو الله ما أخاف بخلك. ولا أستقصر أجلك. ولا أغتنم مالك. وإن عطاءك لزينٌ. وما بامرئٍ بذل وجهه إليك نقصٌ ولا شينٌ.
فأعجب المنصور كلامه. وأثنى عليه في أدبه ووصله.
*
كان معن بن زائدة أميرا على العراق :
وكان له في الكرم اليد البيضاء وهو من الحلم على أعظم جانب. فقدم عليه أعرابي ذات يوم يمتحن حلمه.
فلما وقف قال: (أتذكر إذ لحافك جلد شاة “” وإذ نعلاك من جلد البعير) قال معن: أذكر ولا أنساه.
فقال الأعرابي: (فسبحان الذي أعطاك ملكا “” وعلمك الجلوس على السرير) قال معن: يا أخا العرب السلام سنة وشأنك في الأمير.
فقال الأعرابي: (سأرحل عن بلاد أنت فيها “” ولو جار الزمان على الفقير) قال معن: يا أخا العرب إن جاورتنا فمرحبا بك وإن رحلت فمصحوب بالسلامة.
فقال الأعرابي: (فجد لي يا ابن ناقصة بشيء “” فإني قد عزمت على المسير) قال معن: أعطوه ألف دينار يستعين بها على سفره.
فأخذها وقال: (قليل ما أتيت به وأني “” لأطمع منك بالمال الكثير) قال معن: أعطوه ألفا آخر.
فأخذها وقال: (سألت الله أن يبقيك ذخرا “” فمالك في البرية من نظير) فقال معن: أعطوه ألفا آخر.
فقال الأعرابي: أيها الأمير ما جئت إلا مختبرا حلمك لما بلغني عنه. فلقد جمع الله فيك من الحلم ما لو قسم على أهل الأرض لكفاهم .
فقال معن: يا غلام كم أعطيته على نظمه قال: ثلاثة آلاف دينار. فقال: أعطه على نثره مثلها. فأخذها ومضى في طريقه شاكرا.