فرجع ابو بكر مسرعاً، ودخل المسجد فوجد الناس تبكي وعمر يهدد ويتوعد والسيف في يده، فلم يلتفت إليه ولم يكلمه، ودخل الى بيت ابنته عائشة، فوجد ازواج النبي صلى الله عليه وسلم حوله يبكون، وام سلمة تنادي بأعلى صوتها: وااا نبياه لقد انقطع عنا خبر السماء، فلا ربط بين السماء والأرض، فعلى من ينزل جبريل؟وفاطمة تنادي وتقول: وااا أبتاه من ربه ما أدناه ، وااا أبتاه الى جبريل ننعاه، وااا أبتاه جنة الفردوس مأواه، فلما دخل الصديق افسحوا له المكان، فأتى جسد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مسجاً ببرد يماني فأماط البرد عن وجهه، وجثا على ركبته أمام الحبيب، ثم نظر إليه، ووضع يده على صدغيه، وقبَّلهُ بين عينيه وخديه وهو يبكي وقال: بأبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً يا حبيبي، أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فها انت قد متها، ولا أنت أكرم على الله من أن يميتك مرتين، ثم أجهش بالبكاء وهو يقول: واااصفياه، واااخليلاه، وااانبياه، ثم غطى وجهه ببرده، ثم خرج مطأطأ الرأس فوجد عمر بن الخطاب لا يزال في ثورته وغضبه وهو يصرخ ويقول: من قال بأن محمداً قد مات لأعلونه بسيفي هذا، فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر، اجلس يا عمر، فتركه ومشى الى المنبر ورقى منه درجة واحدة ثم قال بأعلى صوته: الحمد لله فلما سمع الناس ابا بكر، تركوا عمر وأقبلوا على ابي بكر وقال: أيها الناس، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، قال الصحابة: والذي بعثه بالحق وكأننا أول مرة نسمع هذه الآية، وغابت عنا أنها من القرآن فأخذنا نتلوها والبكاء يغلبنا ونحن نقول ونرددها، ثم نظرنا الى عمر بعد أن سمعها فإذا بالسيف يسقط من يده الى الارض، ثم وقف وكأن الارض تدور به لا يدري أين يوجه وجه؟وما راعنا إلا وعمر يسقط على الارض وقد أغمي عليه، فأخذنا نرش عليه الماء حتى افاق، قال عمر: والله الذي لا إله إلا هو، ما ظننت أن رسول يموت وغابت عني هذه الآية، فقام رجل من الانصار وهو في الروضة وقد بسط ذراعيه الى السماء يدعو وقال: اللهم إن كان نبيك قد مات حقاً، فخذ بصري فإني لا أحب أن أرى وجهاً بعد وجه، فعميَ فوراً وصاح آخر وقال: اللهم إن كان نبيك قد مات حقاً، فألحقني به الآن فإني لا أحب الحياة بعده ابداً فوقع ميتاً فوراً.