في السنة العاشرة من البعثة أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى الله في مكان آخر فاختار الطائف، لأهميتها بعد مكة، تبعد عنها (120) كيلمتر فتوجه إليها، فخرج ليلاً متخفياً، مشياً على الأقدام متسللا، وخرج معه زيد بن حارثة. فكان خبره عند اهلها فلم يسمعوا له، واغروا صبيانهم وطردوه بالحجارة وادموه، فجلس تحت ظل شجرة، وأفاق من الصدمة والأزمة التي مر بها، والأوجاع والدماء تسيل منه، وكان هذا الموقف من أشد المواقف التى مر بها النبي صلى الله عليه وسلم. ثم رفع طرفه إلى السماء ودعا: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ؛ المستضعفين، وأنت ربّي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني، أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافَيَتَك أوسعُ لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخره، من أن تُنزل بي غضبك أو يَحِلَّ عليَّ سخطُك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك). فنظر صلى الله عليه وسلم فإذا بغمامة تهبط عليه من السماء تظله، وقال: (عليها جبريل، ومعه رجل لا أعرفه، فاقترب جبريل وسلّم) وقال: يا محمد هذا ملك الجبال أرسله الله إليك ليطيعك فيما تأمره، فأمره بما شئت، فتقدم ملك الجبال وقال: السلام عليك يا رسول الله، إن الله أمرني أن أطيعك فيما تأمرني، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، وإن شئت دمدمت عليهم فلا ترى بعد ذلك منهم عدو، وإذا به يضم ملك الجبال إلى صدره ويقول: (لا، لا يا أخي، إني لأرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئاً) فنظر إليه جبريل وقال: صدق من سماك رءُوفٌ رحيم، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}